الأربعاء، 10 أغسطس 2016

زهور هيروشيما ..



استيقظت مدينة هيروشيما فى الثامنة وربع من صباح الخامس من أغسطس على أول قنبلة نووية فى العالم تلقُي على مدينة آهلة بالسكان ، حيث خلفت دمار شامل ، قضى على حياة 140 ألف شخص ، لتقوم الولايات المتحدة الامريكية بألقاء القنبلة الثانية على مدينة ناجازاكي فى الثامن من اغسطس لتقتل 74 ألف ياباني .

و رغم فقدان اليابان عشرات الآلاف من مواطنيها ، إلا أنه كان هناك ناجون عانوا من التجاهل، لوقوع البلد تحت الاحتلال الامريكي ،ماجعل معاناة أولئك الناجون مضاعفة فقد عانوا من آثار الاشعاع النووي على اجسادهم ، وأرضهم ، وتمزقت حياتهم دون أن يُسمح لهم بالحديث او الاحتجاج .

فى سنوات طفولتي كنت قد قرأت الكثير من المعلومات المتداولة بالمجلات حول القنبلتين ، ولكن لم اعي جيدا ً ماتركته من آثار مدمرة على حياة الناس بالمدينتين المنكوبتين إلا بعد قراءتي لكتاب زهور هيروشيما للسويدية " إديتا موريس " فى شهر مارس من العام 1994 حيث عثرت على نسخة من الكتاب بالمكتبة المركزية بجامعة بنغازي ، رغم مرور سنوات طويلة على تلك القراءة إلا أن للكتاب أثر لم يُمحي فى نفسي ، و رغم تعمق قراءاتي فى سنوات لاحقة حول القضية التى طرحها فقد فتح عيناي على الآثار العميقة المدمرة لقنبلة هورشيما وناجازاكي، ماخلفته من حزن وألم ويأس فى نفوس اليابانيين فى فترة الصدمة بعد ألقاء القنابل على مدنهم ، كما ساهم فى رؤيتي للضحايا كبشر لهم حياتهم الخاصة واحلامهم وطموحهم وهواجسهم ومشاعرهم ، لا كمجرد أرقام كما قد نقراهم فى كتب التاريخ او نشرات الاخبار او نسمع عنهم بوسائل الاعلام .

زهور هيروشيما هو عبارة عن رواية مستقاة من حكايات الناجيين من القنبلة فى هيروشيما ، وقد صدر الكتاب فى العام 1959 ليتُرجم الى حوالى 39 لغة .و تدور الحكاية الرئيسية فى الكتاب حول "يوكا" التى تعانى بصمت مع زوجها المصاب بآثار الاشعاع النووي ، فتضطرها ظروف الفقر والعوز الى تأجير غرفة فى بيتها لامريكي يزور بلدها ، حيث تعمل على تقديم وجه مختلف عن اليابان ، مخفية عنه اصابتها وزوجها بالاشعاع ، طامحة ، وطامعة بأن تنجح بتزوجيه من شقيقتها الحسناء المصابة مثلها بآثار الاشعاع ، فيوكا تعرف بإن شقيقتها لن تحصل على أدني فرصة فى الزواج من ياباني إذ انتشر خبر مرضها وزوجها، ولهذا فهي تري بإن على الامريكيين تحمل عواقب انجاب اولاد مشوهين من امهات يابانيات عانين من آثار قنابلهم.

استخدمت الكاتبة السويدية أسلوب سردي سلس ، رقيق و شاعري ، فى وصف الحياة التقليدية لليابانيين ، لعاداتهم وفنونهم وطبيعتهم ، تدفع بالقارىء بالاستمتاع وتعلم الكثير حول الحياة ونمط العيش باليابان ، ويتعاطف مع شخصيات الكتاب من ضحايا الاشعاع ، يتألم لاوجاعهم و لخيبات أملهم فى من يخذلهم من أقارب أو اصحاب او معارف .

****
على الهامش:

فى العام 1980 وقف المطرب الليبى أحمد فكرون على مسرح بمدينة طوكيو كي يقدم لجمهور من الشعب الياباني إغنية رقيقة من تلحينه حول هيروشيما تقول كلماتها :" الحب كلمة للحبيب تنقال ..فيه ناس ما عرفهوش ما زال ..تفكر وتصنع ف الدمار والنار ، تقول ما شافوا عيون اطفال" .

هذه الأغنية التى كنت استمع لها فى طفولتي فى نزهاتي برفقة اولاد عمومتي الأكبر مني سناً ، حفزتني لاحقا ً لاعرف ماهي حكاية هذه المدينة .