الخميس، 14 يونيو 2012

لاسكارينا بوبولينا المرأة التى غيرت مجرى تاريخ اليونان الحديث

 
ولدت لاسكارينا بوبولينا في سجن استنبول عام 1771 عندما كانت أمها تقوم بزيارة والدها ستافريانوس بينوتسيس (Stavrianos Pinotsis) القائد اليونانى من اصول ألبانية الذى شارك الذي كان قد سجن من قبل الأتراك لاشتراكه في الثورة الشعبية (1769-1770) ضد الحكم العثمانى.

لوحة مرسومة لبيت لاسكارينا بجزيرة سبيتسيس
 
عندما بلغت بوبولينا الاربع سنوات توفى والدها فى السجن باستنبول لتعود برفقة والدتها الى جزيرة هيدرا حيث تزوجت والدتها من ديمتريوس اورلوف ثم انتقلوا معه الى جزيرة سبيتسيس ورُزقت والدتها بثمانى اولاد ، كبرت لاسكارينا وهى تستمع لقصص رجال البحر حول مغامراتهم حول العالم مقاتلين الامبراطورية العثمانية التى اخضعت بلاد اليونان لسلطانها ، وهذا الأمر ساهم فى تأجيج مشاعر لاسكارينا الوطنية وغذى لديها رغبة فى التمرد على السلطة الحاكمة العثمانية.

لوحة مرسومة للسفينة الحربية الشهيرة آجاممنون
 عندما كبرت لاسكارينا تزوجت مرتين من ازواج تمتعوا بالثراء والنفوذ والزعامة فى الجزر اليونانية  ورزقت بسبع اطفال من كلا الزوجين، توفى بوبولينا الزوج الثانى لاسكارينا عام 1811 فى احدى المواجهات البحرية ضد رجال البحر الجزائريين فورثت لاسكارينا عنه ثروته الكبيرة لتقوم ببناء اربع سفن حربية من بينها السفينة الحربية الكبيرة (آجاممنون ) التى تألفت من 18 مدفعا، وتُعدأكبر سفينة يونانية اسثتخدمت في حرب الاستقلال اليونانية.

لوحة للاسكارينا قام برسمها فنان المانى تأثر ببطولاتها
 
عام 1816 تتعرض املاك لاسكارينا للمصادرة من قبل السلطات العثمانية الحاكمة آنذاك بذريعة مشاركة زوج لاسكارينا الثانى الى جانب الروس فى صراعهم ضد الامبراطورية العثمانية فسافرت لاسكارينا الى القسطنطنية باحثة عن دعم حماية (Strogonoff )السفير الروسى ثمنا لخدمات زوجها بوبولينا للروس فقام السفير الروسى بارسالها الى جزيرة القرم لتقيم هناك 3 اشهر استطاعت الحصول على مقالة مع ام السلطان العثمانى التى يسرت لها فرصة مغادرة منفاها بالقرم والعودة الى جزيرة سبيتسيس.

بيت لاسكارينا على جزيرة سبيتسيس الذى تحول لاحقا لمتحف شخصى لها

 بعد عودتها الى جزيرتها انضمت لاسكارينا الى Etaireia Filiki وهى منظمة سرية تعد العدة لاشعال ثورة ضد الحكم العثمانى ، ولتكون لاسكارينا العضوالنسائى الوحيد فى تلك المنظمة السرية ، فقامت بشراء الأسلحة والذخائر على نفقتها الخاصة ، ونقلتهم سرا ً الى جزيرة سبيتسيس على متن سفنها الخاصة ، وفى العام 1820 انجزت لاسكارينا مهمة بناء سفينة حربية ضخمة اطلقت عليها اسم احد ابطال الاغريق الاسطوريين (سفينة آغاممنون) ، كما لم تتوانى لحظة عن دفع رشاوى وهدايا واكراميات للمسؤلين الاتراك لتغاضى عن حجم آغاممنون ، بالاضافة لقيامها بتنظيم القوات المسلحة الخاصة بها وتتألف من رجال جزيرة سبيتسيس، حيث استخدمت ثروتها لتوفير الغذاء والذخيرة للبحارة والجنود تحت قيادتها.

منحوتة لاسكارينا موضوعة بمتحف جزيرة سبيتسيس
 
في 13 مارس من عام 1821 بعد إثنا عشر يوماً من بدء حرب الاستقلال، رفع أول علم رسمي للثورة فوق جزيرة سبيتسيس بيد لاسكارينا ، إذ قامت لاسكارينا برفع علم من عهد الامبراطورية البيزنطية على سارية السفينة الحربية آجاميمنون.

من داخل بيت لاسكارينا على جزيرة سيبتسيس والذى تحول  لاحقا لمتحف يعرض مقتنياتها
 
وفي الثالث من أبريل من نفس العام أعلنت جزيرة سيبتسيس ثورتها لتتبعها جزيرة هيدرا وجزيرة بسارا ولتجمع الجزر الثلاث قوةً اشتملت على 300 سفينة.

بعد ذلك قامت لاسكارينا بأخذ ثمان من سفنها لتنضم إلى القوى اليونانية الأخرى في حصار نافبليو المدينة الساحلية الحصينة في شبه جزيرة بيلوبونيز، ولكنها عادت فهاجمت مونيمفاسيا وساهمت في حصار بيلوس وتمكنت بعدها من توفير وجلب المؤن للثوار عبر البحر لإكمال حصارهم لنافبليو حتى سقوطها  فى تلك المعارك فقدت لاسكارينا ابنها البكر يانيس من زوجها الاول    .Yiannouzas

مقتنيات شخصية لاسكارينا موجودة بمتحفها بجزيرة سيبتسيس.


شهدت لاسكارينا على سقوط طرابلس المدينة التركية فى البلوبونيز حيث عملت على حماية اسرة ونساء الحاكمة العثمانى من الوقوع فى الأسر او التعرض لأذى او المعاملة السيئة ، كما التقت بالقائد اليونانى ثيودوروس كولوكوترونيس الذى تزوج ابنه بانوس من آلينى بوبوليناابنة لاسكارينا .

لوحة فنية تظهر لاسكارينا على ظهر احدى القوارب الحربية وهى تقود احدى المعارك البحرية أثناء الثورة
 
في غضون عام تمكن الثوار من إحكام قبضتهم على شبه جزيرة البيلوبونيز تحت قيادة ثيودوروس كولوكوترونيس، وفي شهر يناير 1822 أعلنوا استقلال اليونان وتم انتخاب أليكساندروس مافروكورداتوس رئيساً للبلاد.

لوحة فنية تمثل احدى المعارك البحرية التى دارت رحها بين الاسطول العثمانى والسفن اليونانية

بعد الاستقلال، اندلعت بين فصائل الثوار خلافات ادت  اندلاع حرب أهلية عام 1824 فمن جهة كان هناك ثيودوروس كولوكوترونيس ورجاله، ومن جهة أخرى جيوروجيوس كونتوريوتيس وأنصاره الذى نجح فى تثبيت نفسه فى كرسى الحكم قبل ان تنتهى الثورة اليونانية او يتم اخراج العثمانيين من بلادهم، فى ذلك الوقت كونتوريوتيس باصدار اوامره باعتقال لاسكارينا لصلة المصاهرة بينها وبين القائد  كولوكوترونيس منافسه على الحكم ربما خاف من قوة ونفوذ وشعبية لاسكارينا وسط اليونانيين خاصة بعد ما قدمته فى الثورة من دعم مادى ومعنوى ومشاركة شجاع فى القتال برفقة ابنائها الذين قُتل اثنان منهما فى أثناء المعارك ضد العثمانيين، وقد تم نفى لاسكارينا لفترة لاحدى الجزر اليونانية ليسمح لها بالعودة الى جزيرة سيبتسيس.

لوحة فنية تظهر لاسكارينا فى بدايات سنوات زواجها الاولى قبل الانخراط فى حياة البحر والقتال الخشنة
 
كانت نهاية لاسكارينا المرأة الشجاعة القوية غير متوقعة إذ قُتلت عام 1825على يد احد افراد العائلات اليونانية عقابا ً لها على هروب جورجيوس ابنها من زوجها الاول مع ابنة تلك العائلة المحافظة والتى اعتبرت مثل هذه الحوادث من الاشياء الغير مقبولة فى مجتمع اليونان فى تلك الفترة من القرن التاسع عشر، فقد قامت تلك العائلة اليونانية باستجواب لاسكارينا عن الهاربين بتهديدها بالنار التى اشتعلت فى ثيابها وجسمها لتموت محروقة .
 




منحوتة برونزية لاسكارينا

تعتبراليوم لاسكارينا بوبولينا في اليونان بطلة قومية لاسهاماتها فى الثورة فهي واحدة من أوائل النساء التي لعبن دوراً محورياً في مسيرة ثورة الاستقلال، وبحسب رأي العديد من المؤرخين فأنه لولا لاسكارينا ودعمها المالى الهائل وسفنها التجارية والحربية لما تمكنت اليونان من الصمود فى سنوات الثورة و نيل استقلالها أبداً.

اسلحة لاسكارينا بوبولينا موجودة بمتحفها بجزيرة سيبتسيس

اصبحت بوبولينا أول امرأة تحصل على رتبة اللواء من قبل البحرية الروسية. حملت العديد من الشوارع في اليونان اليوم اسم لاسكارينا كتكريم لها ، وقد تم تحويل بيت لاسكارينا فى جزيرة سيبتسيس لمتحف يعرض مقتنياتها الشخصية كما يحوى على اسلحة لاسكارينا من بنادق من مختلف الانواع.




عملة ورقية يونانية تظهر عليها بوبولينا


كما قدم احفادها السفينة الحربية الضخمة آجاممنون للدولة اليونانية فتم اعادة تسميتها باسم سيبتسيس كتكريم للجزيرة التى انطلقت منها الثورة اليونانية، يوجد اليوم فى العاصمة اليونانية أثينا نصب تذكارى لاسكارينا وكما توجد لها منحوتة برونزية على جزيرة سيبتسيس.


لاسكارينا  والسفينة آجاممنون على طوابع تذكارية يونانية


  كما وضعت صورتها على العملة اليونانية عام 1978، بالاضافة لاصدار طابع تذكارى باسمها، كما اصبحت موضوع لعديد من لوحات الرسامين العالميين ممن تأثروا بشجاعتها ونضالها لاجل بلادها .
 

ملصق فيلم بوبولينا من بطولة آيرين باباس عام 1959.


كما ظهر فيلم يتناول قصة حياتها ونضالها عام 1959 من بطولة النجمة اليونانية ايرين باباس، كما ظهرت العديد من القصائد الشعرية التى تتغنى ببطولاتها ،كما اصبحت شخصية لاسكارينا ضمن الشخصيات الكرتونية فى السينما الاوربية الحديثة فقد تم تقديمها فى الفيلم الفرنسى Zarafa.