الأحد، 16 أكتوبر 2016

عبثية الحروب فى الفيلم الأستوني "اليوسفي" ...

تدور أحداث الفيلم الأستوني "اليوسفي" مطلع التسعينات من القرن الماضى بقرية صغيرة تقع فى أبخازيا تقطنها الأقلية الأستونية قبل أن تهجرها بعد اندلاع الحرب بين أبخازيا وجورجيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، حيث لم يبقى فى تلك القرية سوي ايفو النجار العجوز الذى يصنع صناديق خشبية لحفظ ثمار اليوسفي ، وجاره المزارع مارغوس الذى يسعي لقطاف اليوسفي وبيعه قبل أن يغادر الى أستونيا ، ولعدم توفر عمال يعتمد على وعد ضابط من المنطقة بتزويده بجنود يقومون بهذه المهمة ، فى أثناء الانتظار تقع معركة صغيرة بالقرب من القرية بين مجموعة أبخازية وأخري جورجية ولا ينجو من هذه المعركة سوى جنديين أحدهما نيكو وهو متطوع جورجي ، والآخر أحمد مرتزق شيشاني ينتمي للمليشيا الأبخازية ، فيضطر النجار العجوز أن يحمل هذين العدوين إلى منزله لينقذ حياتيهما، حيث يأخذ ايفو النجار منهم تعهد بأن لا يحدث شيء في بيته والا قتلهم كما أنقذهم، ولايتوقف اى منهما فى تهديد الأخر بالموت فى حال التعافي من اصابتهما.

تمضي احداث الفيلم لنكتشف سبب بقاء العجوز إيفو في القرية رغم مغادرة كل أفراد عائلته إلى أستونيا ، وتأتي النهاية ليتفاجىء المشاهد بأن النجار العجوز أيفو قد فقد أبنه فى الحرب بعد أن رفض نصيحته بعدم الانخراط في الحرب التى لاعلاقة بالأستونيين بها ، كما أن نهاية مارغوس ونيكو وأحمد تكشف عن عبثية الحرب ، فهى تؤذي من لايرغب بالتورط فيها  ، بينما من ينخرط فيها لو  راجع الظروف التى قادت لاشتعال الحرب وأقترب من الطرف الأخر لربما غير رأيه منه أنسانيا ً.

****
الفيلم يسير على ايقاع سردي هادي وبطىء مبتعدا ً عن المواقف الانفعالية والتسطيح فى عرض القصة ، بالإضافة لعدم احتواء الفيلم على حوارات مطولة ، يتخللها مواقف طريفة تخفف من كآبة موضوع الفيلم ، أى الحرب وآثارها السيئة على البشر والطبيعة ، فالمخرج تحاشى أن يغرق المشاهد فى استخدام المباشرة فى تناول الحرب ، إذ اكتفي ببضع مشاهد قليلة تظهر فيها اشتباكات بين العدوين ، سرعانما يعود المخرج ليركز على جمال الطبيعة بتلك المنطقة المعزولة ، على استعراض نفسيات البشر خلال الحروب ، على مخاوفهم وأحلامهم وآمالهم.

يقدم الممثل الأستوني "ليمبيت أولفساك" بدور النجار العجوز ايفو أداء ممتع ، ومريح لمن يشاهد الفيلم ، فقد يظهر لامبالاة أمام اقتراب الحرب من القرية ، ولايقدم أى أجابات توضيحية للمقاتلين العابرين بالقرية حول أسباب بقائه رغم مغادرة أسرته ومنهم حفيدته الجميلة التي يحتفظ بصورة لها في غرفة المعيشة، لافاجىء بالسبب بنهاية الفيلم ، جمال التصوير وحرافية الإضاءة ، مع موسيقي تصويرية مناسبة لأجواء الفيلم قضيت جيد فى أثناء مشاهدة الفيلم .

*****
اليوسفي فيلم للمخرج الإستوني " زازا اروشادز" هو إنتاج مشترك بين إستونيا وجورجيا تم تصوير الفيلم فى جورجيا بمشاركة ممثلين استونيين وجورجيين ، كما شارك فى العديد من المهرجانات السينمائية الدولية حيث نال "اروشادز" العام 2013جائزة أفضل مخرج من مهرجان (وارسو) السينمائي ، وقد رشُح لجائزة الأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي عام 2015 ، كما رُشح لجوائز الغولدن غلوب 2015 .

الاثنين، 10 أكتوبر 2016

يحدث أمس رواية ترصد تفاصيل التغيرات فى الحياة اليومية للعراقيين ..



سليمان واحد من الشخصيات الثلاث الرئيسية فى "حدث أمس" للروائي العراقي/الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل ، إذ يجد نفسه ضحية للفورات الثورية فى عراق البعث الذى اطاح بالنظام الملكي ، ففى رحلة العودة لقريته باب الهوي بالقرب من البصرة بعد اغتراب سبع سنوات بالكويت ، يقُبض علي سليمان دون أى تهمة او جريمة ، ليتم ارساله للسجن على يد عناصر من "أمن ثورة" حيث يقضى مايزيد عن العام فى سرداب برفقة سجين آخر هو "حاكم" المقامر الشغوف بحياة المغامرة ، المتهم بقضية بيع سلاح عهدة من أجل انقاذ حياة صديقه ، و رفيقهم الثالث "هادي" المتُهم بتهريب مواطنين إيرانيين عبر العراق للعمل في الكويت ، في خلال ليالي السجن نتعرف على حكاية كل واحد فيهم ، وماهي الظروف والملابسات التى قادتهم لذلك السرداب الرطب.

لغة الرواية تختلف فى تراكيب الجمل التى تبدو للوهلة الأولى معقدة ، لمن يتعرف على أسلوب إسماعيل للمرة الأولي ، فقد لفت انتباهي التجديد فى استخدام اللغة من خلال اسقاط أدوات الربط ، رغم ذلك شخصيات الرواية مكتوبة بطريقة متقنة ، وجذابة تجعل القارىء يتعاطف مع مساوئها واخطائها ، ويحب الجوانب الانسانية الجميلة لدي كل من (سليمان ، حاكم، هادي) ، كما أن البناء السردي متماسك، محكم ، لاترهل ، ولا اطالة فى تدفق العمل ، مع رشاقة فى التنقل بين الأزمنة ، حاضر السجناء الثلاثة فى سردابهم خلال الستينات ، مع العودة لسنوات الملكية ، وحتى زمن الحكم العثماني بالمنطقة .

يحمل العنوان "يحدث أمس" دلالة كبيرة على أن ماحدث فى الأمس ، بعراق الخمسينات ، يحدث اليوم ، و ربما بالمستقبل ، فماحدث بالماضى سيتكرر بشكل أو أخر ، بغض النظر عن اختلاف التسميات أو التبعية ، لتزداد معاناة العراقي ، وتتعمق آلامه وأوجاعه ، بمرور الزمن .

يمكن للقارىء من خلال هذا العمل الروائي التعرف على بداية الاضطربات والقلاقل فى حياة العراقيين ، الذين وقعوا ضحايا بشكل من الاشكال كضحايا للظلم والقهر ، طال تفاصيل الحياة اليومية والعلاقات الآنسانية للعراقيين .

صدرت فى العام 1997 ونالت إشادة من بعض الأقلام الجادة فى الكتابة النقدية فى حينها، فقد قرأت فى حينها عن العمل الروائي فى احد الملاحق الثقافية لواحدة من الصحف العربية التى اختفت بالوقت الحالي، ماجعلني متشوقة للاطلاع على الرواية ، وبعد تجربة هذا المساء اعتقد أن إسماعيل لم يخيب ظني بالحصول على متعة قراءة عمل متقن ، وعميق .

****
إسماعيل فهد إسماعيل من مواليد البصرة من أم كويتية وأب عراقي، مقيم في الكويت، حيث تلقي تعليمه فيها ، ثم عمل فى التدريس ، ويعد واحد من الروائيين الخليجيين القلائل ممن تفرغوا للكتابة الروائية، حيث بلغ مجموع اعماله بين رواية ومجموعة قصصية قرابة الثلاثين عمل.

****
 على الهامش:
 

الأحد، 2 أكتوبر 2016

حبة لولو فيلم لبناني يناقش آثار الحرب على ضحاياها من النساء..



شاهدت البارحة "حبة لولو" هو فيلم لبناني لطيف يتناول قضية فى غاية الحساسية والأهمية للنساء بشكل خاص وللمجتمعات الأنسانية بشكل عام ، ألا وهى قضية ضحايا الاعتداءات الجنسية من النساء ومايثمر عن تلك الاعتداءات من أطفال مجهولي الهوية ناحية الأب ، ومايواجهنه مع أطفالهن من مشاكل و أزمات نفسية وحياتية فى مجتمعاتهن التى تتعامل معهن وفق طرق وأساليب بعيدة عن التفهم الدعم و المساعدة لهن كضحايا .

يدور الفيلم اللبناني "حبة لولو" حول فاتن عبدالله الشابة اللبنانية التى تخاطر بالخروج من الملجأ من أجل تأمين الطعام لوالديها ، بعد أن ظلوا تحت القصف لثلاث أيام ، فى اثناء عودتها الى الملجأ تتعرض للاغتصاب على يد مسلح لبناني مجهول الهوية ، لتكتشف لاحقا ً بأنها صارت حبلى منه بعد ان كبر بطنها ، فيخيرها أهلها بين الاجهاض أو ترك المنزل ، فتختار أن تبقى على حياة الجنين تاركة بيت اهلها ، ثم تبدأ فى كسب معيشتها من تركيب وبيع العطور ، لتكبر الأبنة ليال بدون أوراق ثبوتية ، محرومة من دخول المدرسة و الجامعة و العمل ، بل تخاف من التنقل من بيروت لاي مدنة خارجها خشية أن يُقبض عليها بدون أوراق ثبوتية ، و تعويضا ً عن حرمانها من حقوقها الأساسية فهى تخلق لنفسها عبر الكذب حياة مختلفة عن تلك التى تعيشها مع امها ، فتظل تكذب على الشباب الذين تتعرف عليهم بمافيهم كريم رجل الاعمال اللبناني المغترب المتزوج الذى يتعلق بها ويحبها ، ولكنه يكتشف حقيقتها عن طريق صديق والده .

تضم الأم فاتن إلى جانب ابنتها ليال ، جارتها الشابة حلا بائعة الهوي التى لم تجد وسيلة تعيشها منها إلا من خلال جسدها ، فتعطف عليها فاتن وترعاها كأبنتها ، التى تكتشف بأنها حامل دون أن تكون متأكدة من هوية الأب ، فتدفعها فاتن لاحتفاظ بالجنين الذى تموت وهى تلده فتحتضنه فاتن مع ابنتها ليال ، و جارها فارس الواقع فى غرام الأم التى ترفضه طويلا قبل ان تقبل بوجوده فى حياتها.

****

ليال م. راجحة مخرجة فيديو كليب قبل ان تتحول الى الأخراج السينمائي ، وتجرب حظها عبر اطلاق فيلمها الأول "حبة لولو"  الذى شاركت فى كتابة السيناريو مع وسام راجحة ، ونجحت فى جمع مبلغ وصل مايقارب المليون دولار لانتاج الفيلم ، رغم ذلك لم تصنع فيلم سينمائي حقيقى ، فقد بنُي الفيلم على مغالطة كبيرة تخص ليال وحرمانها من أوراقها الثبوتية وحقوقها فى التعليم والعمل ، فالقانون اللبناني يسمح للمرأة فى حالة فاتن أن تسجل الطفل على اسمها ، ويحصل على الأوراق الثبوتية حتى لو ظلت هوية الأب مجهولة ، و ربما لو استشارت المخرجة احد المحاميين او القانونيين اللبنانيين لافادها بهذه المعلومة ، ولتفادت غلطة كهذه.

لم يكن مقنع فى القصة هو سفر كريم وعودته من جديد للبحث عن ليال بعد أن طلق زوجته الأجنبية التى تخونه باستمرار والتى اخبر ليال فى منتصف الفيلم بعدم قدرته على تطليقها حرصا على عدم حصولها على نصف ثروته ، فلم افهم هل القانون الأمريكي يدفع لزوجة الخائنة مكافأة من ثروة الزوج المغفل ، حسب معلوماتي البسيطة ان وضع كريم مع خيانة الزوجة لايجعله يدفع أى مبلغ للزوجة .

كما بدي مشهد صلاة حلا بالكنيسة طلباً للمغفرة ، مشهد غير مفهوم ، او غير مترابط مع تسلسل الاحداث ، فهى ظلت حتى أخر الوقت تمارس الابتزاز على النائب الذى اقامت معه علاقة غير شرعية ، وبالتالي فأن موت حلا وهى تلد طفلها ، ايضا يأتي فى سياق غير واضح او يساعد المشاهد على الفهم ، فلم يكن هناك اى حوارات تفسر او تشرح الأسباب والظروف التى قادت حلا لهذا الطريق ، و كما لم تحرص المخرجة على تهيأت المشاهد لموت حلا من خلال الاشارة على الأقل لخطر حملها على حياتها ، رغم أن مشهد الوفاة جاء أخف دون أى ثقل على النفس عادة فى مشاهد الموت فى السينما.

كان أداء الممثلة "تقلا شمعون" فى دور الأم فاتن لطيف ومريح ، لكن غير كافي بالنسبة للممثلة بخبرتها ، اما ليال التى أدت دورها الممثلة الشابة "زينة ملكي"  كان أدائها ضعيف خاصة فى مشهد المواجهة مع كريم بالفندق ، اما "لورين قديح" الممثلة التى أدت دور حلا بائعة الهوي فكانت شديدة المبالغة بملابسها وطريقة كلامها وتصرفاتها ، اما من ادي دور كريم فكان جيد ومقنع وسلس، كذلك اضفت شخصية الجار فارس جو من المرح خاصة مع اداءه الممتع لهذه كعاشق لجارته فاتن خوفه عليها وحرصه على صحتها وراحتها.

هذا وقد كانت خلفية ليال كمخرجة فيديو كليب انعكست على أسلوبها فى اخراج الفيلم الذى بدت حواراته شديدة الضعف ، مرتكزة على الصورة و تقطيعات المشاهد وزوايا الكاميرة والاضاءة ، و اختيار اماكن رائعة وجميلة للتصوير فيها ، بدءً من شقة الم فاتن ، انتهاء ً بجولات الحبيبين ليال وكريم .
و أن كانت الموسيقي التصويرية والاغنية المصاحبة للفيلم مناسبة تماما ً للمحتوي المصور ، فساعدتني على الاسترخاء والاستمتاع بالفيلم بصريا ً .

لربما لو كُتب السيناريو والحوار بطريقة متماسكة ومقنعة لإعطاء الفيلم مذاق وقيمة اجمل واعمق .

****

تأليف واخراج :ليال م.راجحة ، سيناريو :ليال راجحة ، وسام راجحة ، الممثلين تقلا شمعون ، زينة ملكي ، لورين قديح ، ايلي متري ، نزيه يوسف ، زياد سعيد ،الموسيقي التصويرية مشيال فاضل ، فيلم حبة لولو من انتاج العام 2013 .