الأحد، 18 نوفمبر 2012

عادات وتقاليد الليبيين فى الاحتفال بحلول العام الهجري..

اللوحة للفنانة الليبية نجلاء شوكت الفيتورى

تظل العادات والتقاليد هى جزء من حياة كل أمة وشعب قد يختفى بعضها ويستمر بعضها الأخر وفقا لممارسات قد تختلف من منطقة لأخرى . غير أن العادات والتقاليد المرتبطة بالجوانب الدينية فى حياة الليبيين حتى وإن قل اداؤها لسبب من الاسباب فإنها لم تنقطع نهائيا ًعند نسبة لابأس بها من الاسر الليبية ، ومن بين تلك المناسبات الدينية الاحتفال ببداية العام الهجرى ،قبل يوم واحد من بداية كل عام هجري ( عربي ) جديد يجتمع افراد العائلة لاحتفال بيوم الكبيرة ، حيث يقوم كل افراد العائلة بالاستحمام وتقوم النساء بالتطيب والتزيين، و يقمن بإعداد وجبة عشاء دسمة و يفضل ان يكون امبوخ و تحتوي علي القديد. 

و يتناولون وجبة العشاء و هم يتحدثون و يتسامرون و يتبادلون التهاني بالعام الجديد وتتميز (كبيرة) رأس السنة الهجرية باحتفال خاص بها وتسمى (كبيرة الفتاشة) وفى تلك الليلة تطبخ النساء أكلة الكسسكو بعظام القديد ( اعظيمات العيد ) الذي اعُد في عيد الاضحى، ويتبادل الأهل والجيران اطباق الكسكسو بالفتاشة من باب صلة الرحم والمودة التى سادت المجتمع الليبى فى العقود الماضية ،ولكى يشجعون الاطفال والاولاد الصغار على تناول هذا الطعام يوم الكبيرة يكرر الكبار توصيات بضرورة تناول الجميع  لتلك الوجبة حتى لاتأتيهم (الفتاشة) فى الليل ، والفتاشة شخصية وهمية من صنع الخيال الشعبى ، تظهر على شكل امرأة عجوز تطوف على البيوت ليلا ، وتفتش البطون ، فمن وجدته قد أكل من الكسكسو تركته بخير ، ومن وجدت بطنه خالية ، تترك له فى بطنه حيطة أى حجر ثقيل ، لذلك يحرص الاولاد والاطفال أشد الحرص على أكل الكسكسو ، بل ويبالغ بعضهم فى الاكل لحد التخمة ، وتتذكر الدكتورة سكينة بن عامر فى كتابه طيارة ورقة ماكان ينتابهم من آلام واوجاع بسبب الاكثار من تناول تلك الوجبة الدسمة :( كنا نحرص على أكل (الكسكو) ، بل ونبالغ  فى بعض الأحيان إلى درجة أننا نثير غضب الفتاشة فتزورنا وتترك لنا أحجارا ً أكثر بكثير مما كنا نخاف منها أو نتوقعها ).

وفى اليوم الأول من شهرمحرم يقوم بعض الشباب من صغار السن بوضع مقدار ملعقة صغيرة من الجير فوق كل عتبة منزل إشعارا ً لأهل البيت بحلول شهر محرم ، او يكتفى البعض بوضع الملح أو الدقيق على مداخل البيوت والغرف تيمنا بأن يكون العام الجديد عام خير وبركة .وربما تعود فكرة الأكل ووضع الجير الأبيض أمام الباب فى هذه الليلة إلى التفاؤل بقدوم سنة جديدة يكون خيرها وفيرا ً، وزرقها أكثر ، فالبطون ممتلئة بالأكل الجيد ، والبياض رمز للخير فى كل مكان ، ولذلك فالكل يتفائل بأن تكون هذه السنة سنة بيضاء مليئة بالخصب والخير الوفير.

لم يحتفل الليبيين بالعام الهجرى كعيد رسمى فى فترة الاستعمار الايطالى وان اعتُبرت المحافظة على عادة تناول (طعام الفتاشة ) فى اليوم الذى يسبق دخول العام الهجرى تأكيدا على الهوية المحلية للمجتمع الليبى واحتفاء ً بالحدث التاريخى الاسلامى الهام أى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وماتحمله من مضامين روحية عميقة و تحولات مفصليةعلى مستوى الدعوة وانتشار الدين الاسلامى وتكون دولة المسلمين بالمدينة المنورة .

بقيام دولة الاستقلال عام 1952م اصبح بداية العام الهجرى من ضمن المناسبات الدينية التى يوجه فيها رأس الدولة اى الملك ادريس تهنئة للشعب الليبى وللامة الاسلامية ، كما يعتبر يوم عطلة للشعب الليبى .

 واستمر الحال على هذا المنوال حتى مجىء القذافى الى الحكم عبر الانقلاب الاسود فى العام 1969 ، حيث اتخذ القذافى فى السنوات الاولى من عمر الانقلاب العديد من الاجراءات التى تظهره بمظهر المحافظ على الدين الاسلامى ، بأصداراوامرباغلاق النوادي الليلية وحظر الترفيه المستفز أو غير المحتشم والاستفادة من التقويم الهجري ، ثم سرعان ما انقلب على تلك الاجراءات والقرارات ليدعو الى إلى إعادة النظر في التقويم الهجري قائلا أنه ينبغي حسابه من تاريخ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم  عام 632 وهو حدث كان يشعر أنه أكثر أهمية من عشر سنوات هجرية في وقت سابق .

كانت من بين القرارات الصادمة والمثيرة للجدل وسط الشعب الليبى آنذاك ، وقد اصبحت الدولة الليبية من شهر فبراير عام 1979م تؤرخ بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكانت تلك السنة هي سنة 1388 من وفاة الرسول  الموافقة للسنة 1399 للهجرة؛ أي بفارق عشر سنوات بين التقويمين، ومنذ قرون اصبح الليبيين لايحتفلون بتلك المناسبة التاريخية ، وكما كانت بداية تحدى القذافى للثقافة الدينية للشعب الليبى واستفزازا ً لمشاعره ،و لم يُفهم الغرض الحقيقى من هذا التحول من التأريخ بالهجرة الى التأريخ بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو التقويم المعمول به فى ليبيا وباقى العالم الاسلامى من خلافة عمر بن الخطاب حتى مجىء القذافى الى سدة الحكم فى ليبيا ، ورغم كل ما ذكره يومها من مبررات واهية وسخيفة ، الا ان الليبيين ظلوا لايعترفون بذلك التغيير فى التقويم الهجرى الذى توارث الاباء والابناء العمل به فى ضبط تواريخ حياتهم واهم الاحداث لوطنهم .

 كما كانت حادثة التغيير تلك مؤشر على ماينتظر الليبيين على يدى القذافى من تحدى لثقافتهم الدينية استمرت طوال اعوام حكمه ، وظل الحال كما هو عليه فى هذه المسألة حتى انتصار ثورة فبراير والاطاحة بحكم القذافى ، فقررت السلطات الجديدة العودة لتأريخ بالتقويم الهجرى واعتباره يوم عطلة .

كل عام وأنتم بخير ..