فى ذكري الغزو الإيطالي (2)
الثكنة العثمانية العسكرية بمنطقة البركة بمدينة بنغازي أواخر العهد العثماني |
وصل الصحفي
الإيطالى جوليو بوناتشي الى بنغازي فى يوم 27 سبتمبر 1911 للقيام بتغطية لصالح جريدة "الكورييرا ديلا سيرا " حول
دخول القوات الايطالية الغازية للمدينة ،
حيث ظل مقيما فيها إلى مجىء الإيطاليين الذين كانوا قد وصلوا مياه المدينة يوم 18
أكتوبر 1911 حيث استطاعت السفن الإيطالية الرسو بميناء بنغازي ، وبدء القتال فى
اليوم التالي بعد أن تم إنزال بعض من جنود القوات البحرية إلى البر لاحتلال مدينة
بنغازي يوم 20 أكتوبر 1911.
وقد أصدر بوناتشي كتاب صغير الحجم يتضمن يوميات اقامته فى
مدينة بنغازي منذ بداية النزاع الإيطالي – التركي وكانت هذه اليوميات قد سبق له نشرها
فى جريدة "الكورييرا ديلا سيرا" ، كما أُضيفت لها برقيتين كان الصحفي
بوناتشي قد أرسلهما إلى نفس الجريدة ، ونظرا لأهمية هذه اليوميات فى توثيق أحداث
الأيام الأخيرة لبنغازي قبل احتلالها من الإيطاليين ، قام الدكتور إبراهيم المهدوي
بترجمته للعربية ، وبالرغم من أن مؤلف هذا الكتاب الصغير كان إيطاليا عنصريا تجاه
العرب والمسلمين ، إلا أن للكتاب حسنات تمثلت فى اطلاعنا على الأدوار التي لعبها
القناصل الأجانب المقيمين فى بنغازي ، ودور رهبان البعثة الدينية الفرنشيسكانية ،
وكيف تعامل الليبيين مع الأجانب المقيمين بينهم ، وكيف دافعوا ببسالة عن مدينتهم و
ماهو المناخ النفسي السائد فى تلك الأيام ، وادوار الزعماء المحليين فى الاستعداد
للغزو الوشيك ، و كذلك تناول شخصية حاكم
المدينة التركي وماقام به من أجل تهيئة السكان للغزو الإيطالي.
قدم الصحفي
بوناتشي في أجزاء كثيرة من اليوميات المدونة مبررات مبالغ فيها لأهمية احتلال برقة
وليبيا ، و رغم أن الرقابة الإيطالية كانت تمنع نشر كل ماقد يؤدي إلى إضعاف الروح
المعنوية عند الإيطاليين أو تشير إلى احتمال استمرار القتال اكثر من الفترة التى
يتوقعها الشعب الإيطالي، أو توضح كيف يقاتل الليبيين والأتراك ببسالة كبيرة من أجل
بلادهم ، و الانحياز والتعصب فى كلام الصحفي الإيطالي ضد الأتراك والعرب الليبيين
، إلا أنه لم يحول هذا كله من أشارة بوناتشي لسمو أخلاق حاكم بنغازي التركي وحرص
وجهاءها الليبيين على سلامة الرهبان الإيطاليين الموجودين فى الفويهات فى الأيام
الأخيرة قبل الغزو وحرصهم على سلامة الجالية الأجنبية الصغيرة المقيمة ببنغازي
وقتها.
يتألف هذا
الكتاب من عدة عناوين صحفية منها ليالي بنغازي، فرقة الأميرالاي برستير، مراد فؤاد
بي، راهب محارب، أخبار موجزة من بنغازي ، أيام من الترقب والأمل ، معركة يوم 19
أكتوبر، طلينة بنغازي ، الهجوم القوي ، من أجل المستقبل وغيرها، كُتبت تحتها
مقالات أو يوميات بلغة صحفية لا تخلو من الشاعرية فى بعض الأجزاء ، ودون تحليل
عميق للأحداث وعدم الاعتماد على المعلومات الموثقة بل تضمنت تلك اليوميات الصحفية الاشاعات التى
تنُشر من طرفي النزاع الإيطالي-التركي والليبي.هذه مقتطفات من كتاب الأيام
الأخيرة لمدينة بنغازي التركية .
1 أكتوبر:
الساعة 8 صباحا :"يمكن مشاهدة سفينتين حريتين إيطاليتين".
الساعة 9,30 صباحا :" لقد اقتربت السفينتان المدرعة من بنغازي، بحيث
أصبحت فى مواجهة المدينة، التى كان يسودها الهدوء التام".
الساعة 10,15 صباحا:"توجه نحو ثكنة البركة العسكرية خمسون جنديا تركيا
بدون أسلحة هم عبارة عن مجموعة من المجندين الجدد من أهالي بنغازي تم استدعاؤهم
على عجل بمجرد إعلان الحرب".
الساعة 4 بعد الظهر:" لقد وجدت نفسي مضطرا ً اللجوء إلى السيد ف.جونس
قنصل صاحب الجلالة (انجلترا) عندما شعرت بموقف خاص يتعلق بوجودي فى أرض العدو بعد
إعلان إيطاليا الحرب ضد تركيا مما أدي إلى سفر القنصل الإيطالي مع جميع مواطنيه
....أن نظرتي إلى المستقبل تبدو نظرة متفائلة مطلقة بخاصة كل مايتعلق بسلامتي
الشخصية بسبب معرفتي الواسعة فى الماضي عن كل مايتعلق بعقلية أولئم السكان الذين
سأكون مضطرا للعيش بينهم لبضعة أيام
قادمة".
الساعة 5 بعد الزوال:" فى تلك الليلة لم أستطع أن أنام فأخذت أذرع
حجرتي جيئة وذهابا ، فأخذت أتنقل بسرعة وبصبر خلال أهم الأحداث الرئيسية لهذا
اليوم التى كانت قد أخذت تتراقص أمامي كما لو كانت أحداث حية ، مماجعلني ألاحظ أن
تصرفات السلطات التركية فى تعاملها مع المواطنين الإيطاليين كانت سليمة".
2 أكتوبر :
الساعة 7,30:"يبدو أنه قد تم تسليح سكان مدينة بنغازي بواسطة السلطات
التركية مباشرة بعد استلامها تلغرافا من مدينة القسطنطينية تبلغها فيها بنشوب
الحرب مابين تركيا وإيطاليا ، مماجعلني أشعر فى قرارة نفسي بأن إعلان الحرب قد
علمت به السلطات التركية فى بنغازي منذ يوم الأمس".
بعد الظهر:" لقد أخبرني رهبان الدير الكاثوليكي بإن السيد مراد فؤاد
بي المتصرف قد طمأنهم مؤكدا لهم بأنهم سوف لن يتعرضوا للمضايقات وأنه سوف يضمن
سلامتهم فى جميع الأوقات أثناء قيامه بتوليه دفة الأمور فى الحكومة ".
الساعة 4,45:" فى هذا الصباح قامت السلطات التركية بتسيير دوريات
عسكرية مسلحة أخذت تجوب شوارع بنغازي مكونة من فرق صغيرة من أهالي بنغازي بقيادة
ضابط صف من الزابطية ، والتى قامت بإغلاق جميع المحلات التجارية للمسيحيين، وذلك
من أجل المحافظة على استتباب الأمن العام والحيلولة دون حدوث أية قلاقل فى
المدينة".
3أكتوبر:
الساعة 4 صباحا:" تناقلت الأخبار صباح هذا اليوم فى المدينة نبأ مفاده
بداية قصف المدفعية لمدينة طرابلس بواسطة القوات الإيطالية منذ الأمس بواسطة
تلغراف مرسل بواسطة أحد أعيان العرب بطرابلس...يبلغهم بأنه قد تم إغراق ثلاث سفن
حربية وزورق طوربيد إيطالي يوم أمس أثناء القصف المدفعي بواسطة البطاريات الثقيلة
للقوات التركية ، مماجعلني أستبعد ذلك الخبر فى الواقع حالا، إلا أنه قد أحدث هزة
فى نفسي وغصة فى الصدر عجز لساني عن التعبير عنها".
4 أكتوبر:
الساعة 8,30:" قمت بزيارتي اليومية للرهبان المقيمين فى دير
الفرنشيسكان، وقد تبادلت حديثي العادي معهم قصف مدينة طرابلس بنيران مدفعية السفن
الحربية الإيطالية ، مما أدي إلى نشوب خلاف بني فريقين أولهما من المتفائلين أما
الفريق الأحير فقد كان من المتشككين - حول الأخبار الصادرة عن السلطات التركية-
الأب كوستانزو الباسيني الذى سبق له المشاركة كسادن مصلي للجنود المشاركين فى
الحملة العسكرية الإيطالية ضد الصين 1900...قال بإنه ينتظر بفارغ الصبر من خلال
ثقب الباب مجىء الإيطاليين والذهاب مع فرق جنودنا المقاتلين على مرتفعات هضبة برقة
كسادن للمصلي، كما يحمل مسؤولية وقوع الحرب على كاهل الأتراك ، وبالتالي ضرورة
امتشاق السلاح ضدهم".
5 أكتوبر :
"وصل هذا الصباح إلى ميناء بنغازي زورق شراعي يوناني مشحون بالأسلحة
قادما إليها من بيريويس بالإضافة إلى أنه ينقل خبرا (لم أعرف مدي صحته
بالضبط) مفاده أن الأسطول التركي قد أخذ
يحتشد فى مياه قونيه.أن قضية تهريب الأسلحة إلى هنا قد أصبحت تثير القلق ، بخاصة
وأن كميات الأسلحة والذخيرة التى كان يتم شحنها على متن الزوارق الشراعية
اليونانية القادمة من كريت وغيرها من السواحل اليونانية قد تزايدات بكميات كبيرة
لايمكن الاستخفاف بها فى هذا البلد".
6 أكتوبر :
لقد انقطعت الاتصالات التلغرافية مع عاصمة الولاية ، بحيث أصبح من المتعذر
جدا الرد على النداءات التلغرافية الموجهة من بنغازي إلى طرابلس منذ يوم الأمس ،
كما أصبحت بنغازي تعاني من الغلاء وقلة توفر المواد الغذائية ، حقا لقد أصبحنا
محاصرين تقريبا ، مما جعل من الصعب على البواخر التجارية الرس وفى ميناء بنغازي
".
12 أكتوبر :
هدوء تام يلف مدينة بنغازي ، مع هبوب عاصفة قوية مساء جعلت الهواء يصير
منعشا فى المدينة ، ممايجعل من المتوقع عدم هبوب رياح القبلي الحارة فى القريب
العاجل ، أما البي فؤاد فقد كان كما يبدو يشعر بالضيق والكدر ، لأنه قد أصبح مضطرا
للاعتراف باحتلال مدينة طرابلس بواسطة جنود القوات الإيطالية رغم أنه قد أعلن
للجماهير الغاضبة فى بنغازي التى صدقته بسرعة بأن القوات التركية استطاعت قتل
خمسمائة جندي إيطالي بالإضافة إلى أسر ألفين وخمسمائة جندي من القوات الإيطالية
المعتدية".
15 أكتوبر
"بدأ منذ الصباح الباكر من هذا اليوم خمسون شخصا من المجندين بمدينة
بنغازي التمرينات تحت إمرة ضابط صف مع بعض الجنود الأتراك العاديين الآخرين تعلم
استخدام الأسلحة والتكتيك العسكري فى الساحة أمام القلعة ، وبمتابعتي للحركات
والتمرينات التى كانوا يقومون بها من خلال
مراقبتي لهم من نوافذ مبني القنصلية توصلت إلى نتيجة مفادها إنهم كانوا يقومون
بإعدادهم للتعود على تدريبات الحرس الوطني، وقد تألمت كثيرا عندما شاهدت بريق
الأسلحة تحت ضوء الشمس لأن المجندين سوف يوجهونها إلى صدور الجنود
الإيطاليين".
18 أكتوبر:
الساعة 6 صباحا :"منذ الساعة السادسة من صباح هذا اليوم شوهد عمودان
من الدخان فى أعلي البحر، أخذ دخانهما يمتد فى السماء بشكل متواز من الشرق نحو الغرب
حتي وصلا فى ارتفاعهما إلى مافوق مدينة بنغازي ، مماجعلني لم أشك أبدا فى أنهم هذه
المرة عازمون على القدوم حقا".
الساعة 9 صباحا:" شوهدت اثنتي عشر سفينة فى البحر ، يبدو أن أربع سفن
منها كانت سفن حربية مدرعة تقوم بحراسة بقية سفن القافلة والتى كانت مكونة من ثماني
سفن نقل عسكرية".
الساعة 11 صباحا :"تم إبلاغ متصرف بنغازي بالإنذار النهائي الذى كان
قد وجه إليه بواسطة أميرالاي البحر الإيطالي، والذى كان قد حدد له موعد الساعة
الثامنة من صباح هذا اليوم كموعد أخير يجب أن تستسلم فيه المدينة للقوات الإيطالية
، إلا أنه فى الواقع أن مدينة بنغازي لم تبد مايدل على رغبتها فى الاستسلام سواء
برفع الأعلام البيضاء أو بأية علامات أخري ممادفع القوات الإيطالية البدء فى
عمليات الإنزال العسكري لقواتها بكثافة على اليابسة استعدادا لخوض العمليات
الحربية المزمع القيام بها".
الساعة 2,30 بعد الزوال:" لقد بقيت حتي اللحظة وأنا أعتقد أن عرب
بنغازي والقوات العثمانية النظامية شعروا بأنهم يواجهون عرضا ضخما للقوي ممايفرض
عليهم تسليم السلاح وعدم محاولة المقاومة ، بحيث سقوط مدينة بنغازي فى أيدي قواتنا
بدون سفك قطرة دم بسبب أن القوات العثمانية تعاني من قلة عدد جنودها كما يبدو لى
....قام الأتراك بالإفراج عن جميع المساجين العرب من سجون القلعة والثكنة العسكرية
بالقلعة مما جعل أولئك يرون أن الأتراك ليس لهم رغبة فى المقاومة ولو كانت مقاومة
خيالية وهمية ، أما أغلبية سكان المدينة من العرب فقد كانوا يميلون إلى الاستسلام
بدلا من القتال، وبخاصة الأغنياء الذين كانوا فى المستودعات والتى تقدر ممتلكاتهم
العقارية والبضائع التجارية التى كانت فى المستودعات والتى تقدر قيمتها
بالملايين.أما الفريق اذى ينادي بخوض غمار الحرب فيتكون من الفقراء الذين هم من
المسلمين الكريتيين بالإضافة إلى الألباني شاكر بي قائد الميدان لحامية ثكنة
البركة العسكرية الذين كانوا يرغب فى تنظيم المقاومة المسلحة حتي النهاية، وقد تم
عقد اجتماع فى تلك الليلة ضم جميع وجهاء العرب بمدينة بمغازي للنظر فى إمكانية
الوصول إلى اتفاق فيما يتعلق باتخاذ قرار قبل نهاية الموعد المحدد
للاستسلام".
19 أكتوبر :
الساعة 6,30:" تسلح البنغازيون والبدو العزل بالبنادق واتخذوا من
الطراطير الملحقة بالجلابيب التى كانوا يرتدونها كأغطية واقية لحماية رؤوسهم من
تساقط المطر الغزير، بينما كانوا يعبرون ساحة الملح باتجاه البركة....إذا فقد فاز
الفريق الذى كان يدعو إلى مواصلة الحرب ضد القوات الإيطالية خلال الاجتماع الذى
كان قد تم انعقاده ليلا ، أولئك الذين كانوا عبارة عن حزمة مترابطة من المجانين،
فقد أخذوا يزحفون بكل جدية هذا العالم من أجل الدخول فى حرب ضد السن الحربية
الإيطالية ، وهم يخرجون فرادي للذهاب لخوض المعركة كما نفعل بالضبط كل صباح عند
ذهابنا إلى مقرات أعمالنا".
ساعات مابعد الزوال:"بعد يوم طويل خاضت فيه قواتنا معركة طاحنة مسعورة
، لم يتمكن جنود قواتنا دخول مدينة بنغازي ، مماجعلني غير قادر على وصف تكملة
إنزال قواتنا الإيطالية بجليانة فى هذا اليوم والمعركة التى عزموا خوض غمارها ،
بسبب أنني أريد أن أكون صادقا فى تسجيل ماسوف أراه بعيوني فقط فى دفتر يومياتي
هذا، فالذي أقرأه هو ماسوف أكتبه دون إضافة أية ألفاظ تعبيرية إليه".
الساعة 8 وثلاث دقائق:" كرهت الطلقة الأولي التى كانت قد انطلقت من
مدافع إحدي السفن الحربية التى كانت قد بدأت المعركة ".
الساعة 9,15:" واصلت سفن الطوربيد الحربية عمليات الإنزال العسكري،
بحيث أخذت تقوم بجر قوارب مليئة بالجنود بكل انتظام نحو رأس جليانة ، يبدو أن
القذائف المدفعية الأولية التى كان قد تم إطلاقها على منار المدينة كانت عبارة عن
خدعة، حيث شوهد فيما بعد أن إنزال الجنود قد تم فى رأس جليانة ".
الساعة 6,30:" وقف مالطي فى فناء القنصلية الإنجليزية يسرد الأحداث
حيث استطاع أن يعقد مقارنة بين المدفعية التى استخدمها الأتراك لصد زحف القوات
الإيطالية من التقدم إلى الأمام، ومجموعات العرب العزل من السلاح الذين كانوا
يتقدمون من بنغازي نحو البركة على طول شاطىء البحر تحت وابل من قذائف المدفعية
الإيطالية التى كانت تنفجر وسط حشود المقاتلين العرب مما يؤدي إلى سقوط بعض القتلي
بينهم الذين لايسارعون إلى تقديم الإسعافات اللازمة للمصابين منهم بل يواصلون
مسيرتهم بكل شجاعة نحو الأمام بعد الاستيلاء على سلاحه ومحفظة الخرطوش الذي كان
يحملها ".
تقرير ملحق باليوميات حول معركة يوم 19 أكتوبر:"....استخدمت السفن الحربية الإيطالية فى أثناء قصفها لمدينة بنغازي
يوم 19 أكتوبر المدافع المتوسطة المدي ، عند الساعة 8 من صباح يوم 19 أكتوبر اتخذت
السرايا العسكرية مواقعها بسرعة بحيث شكلت جبهة حربية موجهة ضد العدو، وعند الساعة
9,45 صباحا قامت السرية الأولي من سلاح المشاة بعملية إنزال بحري ، وعند العاشرة
بدأ العدو بإطلاق النار من جهة المقبرة المسيحية الذى تزامن مع طلقات مدفعية من
السفن الحربية الإيطالية ، غير أن اطلاق النيران لم يستمر طويلا من جانب العدو مما
سمح بتقهقر الإيطاليين للوراء باتجاه المقبرة المسيحية –منطقة جليانة- تاركين
خلفهم بصفة مؤقتة بعض المعدات الحربية ،تحت نيران العدو المكثفة ....كانت جبهة
القتال للعدو مكونة من الجنود الأتراك النظاميين مع خليط من عرب بنغازي والبدو
الذين يقطنون خارج المدينة ، كان الضباط الأتراك ينضمون أعمال الفرق العسكرية
المتعددة ، وكما كان ينضم مجموعات جديدة من المقاتلين بصفة مستمرة ..هذا ويمكن
وفقا لما يجري فى الواقع بالمعركة تقدير تعداد قوات العدو التى كانت تواجه قواتنا
قد وصل إلى 2500 شخصا .
منتصف ليلة 19 أكتوبر:
" فى أثناء إقامتي بالقنصلية الإنجليزية كنت أحرص دائما على ارتداء
ملابس أوربية عادية ..أما غدا فإنني أرغب فى تغيير مظهري، لربما بسبب مرتديا بدلة
من قماش كاكي منتعلا حذاء فرسان واضعا فوق رأسي خوذة مصنوعة من شجر الفلين من أجل
ممارسة نظام التجنيد على نفسي ...فى الأثناء أخذت السفن الحربية تسلط الأضواء
الكاشفة على بعض أجزاء المدينة ، كان القصف المدفعي الليلي مختلفا كثيرا من حيث
حدة قوته من القصف المدفعي الذى كان قد حدث فى الصباح الباكر ....الآن علينا أن
نري عما إذا كان الوجهاء العرب بمدينة بنغازي قد قاموا فعلا برفع الراية البيضاء
فوق مبني القلعة ، حيث يبدو لى أن القصف المدفعي للمدينة بواسطة السفن الحربية قد
توقف، اقتربت من نافذة صالة الأكل وألقيت نظرة على الراية البيضاء ترفرف فوق
القلعة ، وأخذت تتموج على أضواء الفانوس بعد أن لف المدينة السكون والهدوء ثانية
".
بنغازي 20 أكتوبر:
"عند تمام الساعة 7,20 من صباح هذا اليوم نزل إلى اليابسة بواسطة زورق
حربي النقيب كابوماتزا برفقة بضع جنود من البحرية حيث قام برفع العلم الإيطالي على
مبني الجمارك والقلعة ، وأقنع الوجهاء العرب وعميد البلدية بضرورة الصعود معه إلى
متن السفن الحربية لأجراء محادثات مع الأميرالاي أوبري الذى قام بألقاء موعظة
طويلة على وجهاء العرب فى أثناء لقائه بهم مبينا
لهم نية إيطاليا فى توطيد السلام بإقليم برقة".
الساعة 5 بعد الزوال:"قامت السفن الحربية بقصف منطقة أشجار النخيل
الوقاعة شمال بنغازي القريبة من المنار ومخازن البارود بعد التأكد من قيام العدو
بهجوم طفيف ضد جناح قواتنا الأيسر ".
21أكتوبر:
"نزل القائد بريكولا قائد فرقة جنود الاحتلال الثانية يصحبه قائد
أركان حربه بمبني القنصلية الإيطالية، حيث أصدر قرارا بتجريد مدينة بنغازي من
السلاح ، كما نص على تعرض من يخالف ذلك لأشد العقوبات وعليه يطلب من لديه سلاح
تسليمه بأسرع وقت ممكن ......أخذت فرقعة الطلقات تسمع من على مسافة بعيدة بسبب
استئناف قواتنا البحرية القصف المدفعي لمساعدة وحماية الجناح الأيسر من
قواتنا..وقد صدر أمر بالقتال قرب ثكنة البركة وبدأت الفرقة العسكرية الثانية من
سلاح المشاة بالزحف نحو البركة فى عتمة الليل بينما تسمع اصوات الطلقات النارية
وصفارات الإنذار الليلية ".
23 أكتوبر :
"لقد علمت أن الفيلق الرابع الذى يكون السرية الأولي لسلاح المشاة
التي تم إنزالها إلى اليابسة يوم 19 أكتوبر قرب جليانة قد تكبدت أحد عشر قتيلا
وخمسة عشرين جريحا ، وكان من بين الجنود الجرحي ثلاثة ضباط منهم القائمقام
جانتيانو ".
24 أكتوبر:
" حقا لقد وصلت أخبار
الاستعدادت الحربية لقواتنا العسكرية فى هذه الساعة إلى بقاع بعيدة فى برقة وفى
الواحات وعلى طول امتداد طرق القوافل التجارية التى استطاعت نقل هذه الأخبار إلى
أعماق قارة افريقيا كما تم نقل هذه الأخبار من ناحية أخري على أجنحة التلغراف
بطريقة مبالغ فيها بشكل خيالي الغرض منها نشر فكرة عن مدي قوة إيطاليا بين السكان
الأهالي. أن قواتنا فى هذه الخطوة الأولي من مرحلة الاحتلال تعتبر أفضل وسيلة من
أى عمل سياسي ، فاليوم علينا أن نبدي يدا من حديد ، أما غدا فعلينا أن نبدي يدا
أخري للتعامل بها مع السكان الأهالي ، يدا ترتدي قفازا من المخمل الناعم".
****
كتاب الأيام الأخيرة لمدينة بنغازي التركية "احتضار متصرفليك
برقة"
المؤلف: جوليو بوناتشي
المترجم:د.إبراهيم المهدوي
منشورات جامعة بنغازي"قاريونس سابقا"
2008، 184ص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق