الجمعة، 5 مارس 2010
اوبرا الهولندى الطائر لريتشارد فاجنر
عندما يرتبط موضوع البحرباعمال موسيقية راقية كما فى الاعمال الاوبرالية وقتها تصبح الكتابة حول هذه المواضيع قمة المتعة بالنسبة الى ، تعليق العزيزة رشا عن السفينة مارى سيلست دفعنى للافراج عن هذه التدوينة الموجودة منذ اشهر فى ارشيف المدونة ، فمنذ طفولتى كنت مغرمة بفن الاوبرا الذى يقدم نوع من الموسيقى والغناء بعيدين عن مزاج وذائقة نسبة كبيرة من العرب ، لن اعدد او اذكر اسماء من احب من مطربى اوبراليين ولا ماهى احب الاعمال لقلبى او التى اعتبرها مستوفية لشروط النجاح وفقا للقواعد الفنية الصارمة لهذا الفن الغربى بل ساحاول استعراض عمل اوبرالى عظيم مازالت تعزف اجزاء منه حتى وقتنا الحالى ...استولى موضوع الهولندى الطائر على خيال الموسيقار الالمانى ريتشارد فاجنر الذى وضع اوبرا من وحى هذه الاسطورة حيث قدم فاجنر هذه الأوبرا للمرة الأولى في العام 1843 في درسدن فحققت نجاحا ً باهرا ً دفعت بالنقاد الموسيقيين وقتها للقول بإن الدراما الموسيقية الحديثة قد ولدت بميلاد أوبرا الهولندى الطائراو (The Flying Dutchman) التى تعتمد على اسطورة قديمة تنتمي الى أساطير البحر في الشمال الأوروبي ، تتحدث حكاية "الهولندي الطائر" (التي تعرف في العالم اللاتيني باسم "المركب الشبح") عن موضوع يبدو متشابهاً الى حد كبير، مع تجوال البطل الاغريقى أوديسيوس طوال عشرة سنوات بعد حكم بوسيدون عليه بالتيه وسط البحاربعد سقوط طروادة، كما هذه الاسطورة تتشابه مع حكاية من التراث المسيحى وتعرف باسم اليهودى التائه التى تقوم على التجوال الأبدي من مكان الى مكان تحت ظل لعنة معينة. ومن يتجول في أعالي البحار على مركبه الشبح هنا، هو الهولندي، الذي حكمت عليه اللعنة بأن يظل على تجواله تلك حتى يعثر على المرأة التي ستكون مخلصة له الى الأبد.
وحين تبدأ أحداث الأوبرا، تكون عاصفة بحرية عاتية قد ألقت عند شاطئ مهجور، سفينة لبحار نروجي يدعى دالان ، سرعان ما يكتشف هو وبحارته وجود سفينة سوداء اللون اشرعتها حمر بلون الدم، وقد ألقتها العاصفة غير بعيد من سفينتهم. وحين تهدأ العاصفة يتعرف بحارة السفينتين الى بعضهما بعضاً. أما قائد السفينة الشبح, وهو الهولندي، فإنه سرعان ما يحكي لزميله النروجي حكايته وحكاية لعنته، مخبراً إياه انه لم يعد يطلب سوى الموت للخلاص من اللعنة، لكن الموت يتباطأ في الوصول اليه. وهنا تستبد بالنرويجى الشفقة على مصير الهولندي - إضافة الى انه يقوّم في الوقت نفسه خير تقويم الكنوز التي يمتلكها هذا الأخير - فيدعوه الى اللحاق به في وطنه واعداً إياه بأن يزوجه ابنته سينتا.
في الفصل الثاني ننتقل الى بيت دالان حيث جلست مدبرة المنزل مع بعض الفتيات يغزلن الخيط بينما الحسناء سينتا تنفرد بنفسها بعيدة عنهن غارقة فى أحلامها وهي تناجي صورة معلقة على الجدار تمثل بطل اسطورةالهولندي الطائر وقد ارتدى ثيابا ً سوداء ، وحينما تشتد سخرية الفتيات من تعلق سينتا بتلك الخيالات الغامضة ، تنطلق سينتا فى الغناء مرددة أسطورة الهولندى الذى يجسده لها خيالها المشبوب فتحدثه وتنجايه بأنها ستكون له الى الأبد امرأة محبة وستخلصه من لعنته . وفي تلك اللحظة بالذات يدخل الغرفة ايريك الشاب الذي يعتبر نفسه خطيباً لها. وإذ كان ايريك عازماً على اخبار سينتا بقدوم ابيها وضيفه ويجدها في حال المناجاة تلك يعاتبها سائلاً إياها ان تكون مخلصة له وألا تنسى انه هو خطيبها ولكن يبدو من الواضح هنا أن سينتا لم تعد مبالية بإيريك كل المبالاة... وإذ يدخل دالان وضيفه وتنظر سينتا الى الضيف حتى تتعرف فيه الى فارس أحلامها ذاك الذي تناجيه في ليلها ونهارها مقسمة له على الاخلاص... ولاحقاً,اذ يخلو المكان لسينتا وللهولندي الحقيقي هذه المرة تصارحه بحبها قائلة له انه الحبيب الذي تنتظره منذ زمن بعيد وأقسمت أن تهبه كل حياتها من أجل خلاصه. وعلى هذا الاعتراف يختتم الفصل الثاني .
لننتقل الى الفصل الثالث وميدانه الشاطئ هذه المرة। هنا تبدو سفينة الهولندي صامتة ساكنه يلفها غموض الحزن في كل مكان. أما سفينة النروجيين فتضج بالحياة. وإذ يصخب البحارة النروجيون وسط حشد من الفتيات الحسناوات اللائى أتين لهم بالطعام والشراب، لا يتوقف البحارة الهولنديون عن اداء أناشيدهم الكئيبة، فيما البحر يعلن عاصفة هوجاء من حول الجميع. وأخيراً تهدأ العاصفة وتظهر سينتا يلحق بها ايريك "خطيبها المفترض" وهو يرجوها ان تعود اليه مذكراً إياها بوعود اخلاص قديمة ها هي تتنكر لها الآن. وإذ يستمع الهولندي الى ما يقوله ايريك يدرك ان اللعنة لا محال ستحل بسينتا بسبب عدم اخلاصها لايريك وإذ يرغب في أن ينقذها من تلك اللعنة يكشف للجميع عن سره العميق متحدثاً عن اللعنة التي اصابته والتي تدفعها الى مخر البحار الى الأبد... وإذ ينتهي من ذكر ذلك يقفز الى سفينته وقد قرر أن يعود الى حمل لعنته واستئناف مطاردة مصيره. وهنا تناديه سينتا واعدة إياه بالاخلاص والخلاص في آن معاً لكنه يبدو واضحاً انه غير راغب في الاصغاء اليها، وجرها معه الى لعنته فلا يكون منها - اثباتاً لاخلاصها المعلن - إلا ان تقفز من أعلى صخرة الى لجة المياه وتبدأ في الغرق في الوقت الذي تختفي سفينة الهولندي غارقة في الأفق المعتم... وهنا إذ يعم الهدوء وتستكين الأمواج يفاجأ الجميع بظهور الهولندي وسينتا من قلب الأمواج كظهور عاشقين تبدلا جذرياً وتعاهدا على الحب والوفاء الى الأبد॥ كان هذا العمل الاوبرالى فى فترة مراهقتى يحمل متعة الخيال والعقل معا ً ، فهو يرتكز على الأساطير التى تمثل تراثا ًانسانيا ً غنى ، كما حفلت موسيقى هذه الاوبرا بسحر لا يقاوم فهى تقوم على اشتقاقات الالحان أحدها من الآخر ثم اشتراك الأوركسترا مع الغناء وقيامه وحده فى التصوير الموسيقى الرائع كما أثبت فاجنر فيها رسوخ خياله وسعته ، وقدرته على رسم الشخصيات المسرحية رسما ً حيا ً دقيقا ً يتناول أعماقها أكثر، كما نجح فاجنر في أن يقدم البحر بهديره وصفير رياحه وتلاطم أمواجه على أنه احد ركائز هذا العمل الموسيقى الدرامى ،.هنا اختار الجزء المفضل عندى فى هذا العمل ، وهو يوحى باجواء الاسطورة الساحرة ، حيث تسود اجواء من الترقب لدى ظهور هذه السفينة الشبح فى افق اى سفينة عادية لتدفع طاقمها للسعى وراءها ومعرفة حكايتها..اما عن اصل الاسطورة فربما فى ادراجى القادم ساعرضها للتحليل والتفسير وعن منشىء هذه الحكاية البحرية التى تحتل مكانة هامة فى اساطير عالم البحرمنذ القرن السابع عشر تقريبا .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
رائع ياسو - تثريننا بما تكتبين هنا. ولقد عدت الى طفولة احسها على مدى قرون من زماني هذا حين كنت انا وسكينة ونمضي الى مركز الثقافة بالبركة لتستعير سكينة الروايات واستعير منها انا ما تستعير ونقرأ معا - لو تدرين حجم الخيال كم كان يتضخم - لو تدرين اين كان يمضي - لعلنا لم نعش كما عاش الصغار الاخرون من حولنا
ردحذفولعلها لعنة لازالت تطاردني كما تطارد سكينة وانت ربما
ان نكون الطيور التي تغرد خارج سربها وتحلق الى اجواز في غير مساراتها الالزامية !!
مثلما طاردتنا اسطورة الهولندي الطائر المعلق بين السماء كما نحن معلقون
لا جينا هكي ولا هكي
انتظر بشغف بقية الحكاية
وسأخفي بشغف اكبر من اكون وان كنت اوضح من الهولندي الطائر في ليلة قمراء
D:
السلام عليكم ورحمة الله
ردحذفبالفعل استمتعت واضفت شيء جديدا لمعلوماتي
كانت الموسيقى اثناء القراءة هنا مزيج يشدني لشيء مجهول
شاكرة لك كثيرا اختي
salam sis
ردحذفevery time i read ur post ilearn some thing new, ur such a great writer .very clasic, and in love with nature,stylish too.i think been in the heart of ur town Dernna and its beautity has made great.thanx for the motivation
شكراا على مروركم ...مسرورة لاستمتاعكم بادراجى
ردحذف