الأربعاء، 23 سبتمبر 2020

رواية الكرنك تعري ارهاب الدولة وغياب الديمقراطية فى الحقبة الناصرية بمصر

 

إعادة قراءة روايات نجيب محفوظ مرة أخرى، تجعلها تجربة ممتعةومثرية إذ اكتشف أنها أعمق بكثير مما كانت أظن خلال قراءاتي الأولي خلال سنوات الدراسة الثانوية والجامعية كمثال رواية الكرنك صغيرة الحجم ، كبيرة بمضامينها.

تدور أحداث الرواية فى مقهي حمل اسم الكرنك وتتناول الفترة التى تسبق هزيمة 67 و حرب 73 ومابينهما من تغول جهاز المخابرات المصرية وتحوله للأداة لقمع الشعب المصري بما فيهم جيل الشباب من أبناء الثورة من خلال تناول حكايات ثلاث طلبة جامعيين هم حلمي واسماعيل و زينب ، يتعرضون للاعتقال والسجن ظلماً وتعرضهم لأبشع وأقسي أنواع التعذيب ومع تكرار الأعتقال يخرجون فاقدي لإيمانهم بالثورة والقيم والمبادىء وشهيتهم للحياة .

وكان الثلاثة قد اعتادوا التردد على مقهي الكرنك فتنشأ بينهم وبين صاحبته قرنفلة الراقصة المعتزلة علاقة ود ورغم الفروقات الاجتماعية والثقافية والعمرية بين قرنفلة وحلمي إلا أن علاقة عاطفية تنشأ بين الاثنين . وتشكل حكاية قرنفلة الحكاية او القصة الأساسية في الرواية التى تتبعها باقي حكايات الطلبة الثلاث وضابط المخابرات خالد صفوان الذى يصبح من المترددين على مقهي الكرنك حيث يشهد رواده تدهور حاله بعد الهزيمة إذ انتهي به الحال إلى فقدان وظيفته ونفوذه ودخوله السجن لمدة ثلاث سنوات ومصادرة الدولة أمواله .

قسم نجيب محفوظ الرواية إلى 4 أقسام حمل كل واحد فيها اسم البطل الذى يدور حوله الحديث فى هذا القسم .و رغم صغر حجم الرواية إلا أن نجيب محفوظ استطاع أن يقدم صورة مكثفة لأخطاء الثورة بحق أبنائها كما كشف عن توحش أنظمة الرأي الواحد التى لا تتواني عن قمع أى رأي ناقد ولو كان من أشد المخلصين لها .كل ذلك من خلال السارد المطلع على خبايا حكايات وأسرار مقهي الكرنك ، وقد برزت قوة لغة نجيب محفوظ فى هذه الرواية من خلال السلاسة والعمق وتماسك الحبكة متلاحقة الأحداث دون حشو زائد أو أطالة فى مشاهد اللقاءات العاطفية فى شقة قرنفلة بينها وبين حلمي ، أو مشهد اغتصاب زينب فى جهاز المخابرات المصرية إنما دون اغفال اثر ماحصل لزينب عليها وعلى علاقتها بإسماعيل .

جاءت الشخصيات الثانوية فى الرواية لتوسع من رؤية القارىء للمجتمع والدولة فى مصر بتلك المرحلة فمن خلال نماذج من المجتمع المصري زين العابدين عبدالله الموظف الانتهازي، مديرالعلاقات العامة بإحدى المؤسسات، الذى يمثل أحد أشكال الفساد الذي حدث بعد الثورة، والذى لايمل تقديم عروض مشاركة قرنفلة فى المقهي مالياً ومشاركتها عاطفياً في فراشها، كما لايتردد فى استغلال الأزمة العميقة التى عانت منها زينب بعد تجربتها بالمعتقل من خلال استغلالها جسديا .

بالإضافة لشخصية عاطف سليمان الموظف العاشق القديم للراقصة قرنفلة بزمن ماقبل 23 يوليو والذى يتحول الى مختلس من أجل ملاحقة قرنفلة والفوز بقلبها فى رمزية لماضى ملىء بالانحراف والفساد من نوع أخر. كذلك يقدم لنا العمال البسطاء من خلال شخصيات إمام الجرسون بمقهي الكرنك ، وجمعة ماسح الأحذية ، والشيوخ محمد بهجت ، ورشاد مجدي ، وطه الغريب حيث نلمس قوة الدين عند العامة فى المجتمع المصري ذلك التدين الذى يتسم بالبساطة دون أى نظريات او تفسيرات تحمل الكثير من الفذلكات .

كُتبت الرواية عام 1971 م فى 117 صفحة فقط من القطع الصغير ، وقد تحولت إلى فيلم سينمائي من إخراج على بدرخان وتمثيل :سعاد حسني و نور الشريف وكمال الشناوي .

 
اقتباسات من الرواية :-

 -"...يوجد في وطننا دينيون، هؤلاء يهمهم قبل كل شيء أن يسيطر الدين على الحياة، فلسفة وسياسة وأخلاقا واقتصادا، وهم يرفضون التسليم للعدو ويأبون المفاوضه معه ولا يرضون عن الحل السلمي إلا ما يحقق لهم النصر نفسه، أو انهم ينادون بالجهاد؟...... وقد يقبلون السلاح الروسي وهم يلعنون الروس وبشرط أن يجيء بدون شرط أو قيد، ولعلهم يفضلون حلا سلميا مشرفا يتحقق بتدخل امريكا وينهي علاقتنا بروسيا الشيوعية نهائيا.... ويوجد يمينيون من نوع خاص، يتمنون التحالف مع أمريكا وقطع العلاقات مع روسيا ويرضون بحل سلمي مع تنازلات لابد منها ثم يحلمون بالتخلص من النظام الحالي، والعودة إلى الديمقراطية والإقتصاد الحر ..... ويوجد شيوعيون - الاشتراكية فصيلة منهم- يهمهم قبل كل شيء الأيدولوجية وتوثيق العلاقات مع روسيا، ويرون أن خير الوطن لن يتحقق إلا من خلال الأيدولوجية ولو طال الانتظار وذلك فهم يرحبون بالحل الذي يرسخ الاتجاه نحو الشيوعية وروسيا سليما كان أو حربا ، أم الحالة التى يطلق عليها اللاسلم واللاحرب...". ص 84

 

- "سأعترف لكم فى الدقائق الباقية لى هنا بخلاصة تجربتي ، لقد خرجت من الهزيمة أو قل من حياتي الماضية مؤمنا بمبادىء لن أحيد عنها ماحييت، ماهي هذه المبادىء؟

أولا- الكفر بالاستبداد والدكتاتورية.

ثانيا- الكفر بالعنف الدموي.

ثالثا- يجب أن يطرد التقدم معتمدا على قيم الحرية والرأي واحترام الإنسان وهي كفيلة بتحقيقه .

رابعا- العلم والمنهج العلمي هو مايجب أن نتقبله من الحضارة الغربية دون مناقشة أما ماعداه فلا نسلم به إلا من خلال مناقشة الواقع متحررين من أى قيد قديم أو حديث.".ص 84


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق