الرابعة والعشرين من ديسمبر 1951 وقف الملك إدريس الأول السنوسي على شرفة قصر المنار ببنغازي ليعلن استقلال ليبيا صعوبات سياسية واقتصادية وتناقضات وعوائق عدة جعلت من ولادة الدولة الليبية ودستورها أمرا معقدا فإن "الجمعية الوطنية" الممثلة لسكان الأقاليم الثلاثة، وبتسهيل من مندوب الأمم المتحدة أدريان بلت و "المجلس الاستشاري" المعين من قبل الهيئة نجحت في إعداد وإقرار دستور البلاد في السابع من أكتوبر 1951 ليعلن استقلال البلاد – الذي سابق لأوانه- في 24 ديسمبر 1951. جعلت العديد من المراقبين الذين فى أعقاب الحرب العالمية الثانية عن قدرة البلد الذى كان أحد مسارح الحرب العالمية الثانية مما عرضه لدمار كبير، كما عاني شعبه من التخلف الاقتصادي والاجتماعي تحت حكم استعماري شرس عن قدرة البلد فى امتلاك مايمكنها من التحول إلى دولة حديثة تملك مقومات العيش والاستمرار وخلال من النظام الملكي استطاع أن يستثمر موارد البلد فى إحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية، كما استطاعوا أن يصنعوا مؤسسات دولة منظمة ولها مقومات الديمقراطية. إذ وفر دستور البلاد فى ذلك الوقت معالم واضحة ومحددة للدولة الوليدة: ملك دستوري له سلطات يحددها الدستور، برلمان بمجلسين (مجلس نواب، ومجلس شيوخ)، وزراء يخضعون للمساءلة أمام مجلس النواب، وحق انتخابي مكفول للرجال، تم توسيع نطاقه ليشمل النساء في التعديل الدستوري في 1963، وقضاء مستقل، وصحافة نشطة.
عام 1968 اهتمت مجلة“ آخر ساعة ”المصرية بتخصيص ملف حول الذكري السابعة عشر لاستقلال ليبيا فكتب أحد محرري المجلة عن المملكة الليبية والملك إدريس و مشيدا بالبلد النامي بقوة فى السطور التالية :
نفس هذا اليوم منذ 17 عاما ..لم يكن 24 ديسمبر عام 1951 يوما عاديا فى حياة ليبيا. كان الشعب الليبي كله ينتظر فجر هذا اليوم. وكان العالم يستعد لاستماع إلى شىء عام ستنقله أمواج الاثير ، وتطيره وكالات الانباء، إلى كل أنحاء الدنيا..
وكانت حركة الشعب ليبيا تتجه كلها إلى قصر المنار بنغازي... ومن كل البلاد كانت تتدفق الألوف إلى ساحة المنار والطرق المؤدية إليه... وعندما أشرق فجر 24 ديسمبر كان الشعب الليبي كله قد انتقل إلى هناك. عن طريق ممثليه ونوابه... وانتظرت الألوف... الساعة العاشرة أطل السنوسي أمير البلاد من شرفة قصر المنار، وعلت هتافات الألوف جاءت لتلتقي بقائدها، وتستمع منه إلى الحدث الضخم تاريخها، وخرج ، قويا الوطنية، الطويلة، هادرا كحركته قادها منذ مطلع شبابه ضد الاحتلال لبلاده حاسما كتاريخه النضالي طوال ثلث قرن... خرج صوت ليعلن للأمة الليبية، وللعالم أجمع... استقلال ليبيا “ الى شعبنا الكريم يسرني أن أعلن للأمة الليبية الكريمة أنه نتيجة لجهادها، وتنفيذا لقرار هيأة الأمم المتحدة الصادر في 21 من نوفمبر سنة 1949، قد تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة، وإنا لنبتهل إلى المولى بأخلص الشكر وأجمل الحمد على نعمائه، ونوجه إلى الأمة الليبية أخلص التهانى بمناسبة هذا الحادث التاريخي السعيد.
ونعلن رسميا أن ليبيا منذ اليوم أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة، ونتخذ لنفسنا من الآن فصاعداً، نزولاً على قرار الجمعية الوطنية الليبية الصادر في 2 ديسمبر 1950، لقب صاحب الجلالة ملك المملكة الليبية المتحدة.
ونشعر أيضاً بأعظم الاغتباط لبداية العمل منذ الآن بدستور البلاد كما وضعته وأصدرته الجمعية الوطنية في 6 من محرم سنة 1371 هجرية الموافق 7 من أكتوبر سنة 1951 ميلادية، وإنه لمن أعزّ أمانينا، كما تعرفون، أن تحيا البلاد حياة دستورية صحيحة، وسنمارس من اليوم سلطاتنا وفقاً لأحكام هذا الدستور.
ونحن نعاهد الله والوطن، في هذه الفترة الخطيرة التي تجتازها البلاد، أن نبذل كل جهدنا بما يعود بالمصلحة والرفاهية لشعبنا الكريم، حتى تتحقق أهدافنا السامية، وتتبوأ بلادنا العزيزة المكان اللائق بها بين الأمم الحرة. وعلينا جميعاً أن نحتفظ بما اكتسبناه بثمن غال، وأن ننقله بكل حرص وأمانة إلى أجيالنا القادمة.
وإننا في هذه الساعة المباركة نذكر أبطالنا، ونستمطر شآبيب الرحمة والرضوان على أرواح شهدائنا الأبرار، ونحيي العلم المقدس رمز الجهاد والاتحاد وتراث الأجداد، راجين أن يكون العهد الجديد الذي يبدأ اليوم عهد خير وسلام للبلاد، ونطلب من الله أن يعيننا على ذلك ويمنحنا التوفيق والسداد، إنه خير معين“.
هذه هي وثيقة الاستقلال التى أعلنها إدريس السنوسي أمام شعبه صباح يوم 24 ديسمبر 1951 . ومنذ هذا التاريخ أصبحت ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة . وأخذت طريقها الى النمو منذ فجر الاستقلال ، وبدأت ليبيا الحديثة تبني نفسها بعد تاريخ طويل حافل من النضال الوطني كان يوم 24 ديسمبر هو ثمرته ..
ليبيا ..والقضايا العربية
ومنذ الاستقلال فى 24 ديسمبر، والمملكة الليبية تسير على سياسة عربية واضحة المعالم، وأصبحت ليبيا العربية المستقلة جزءا من الكيان العربي الحي. وشاركت بجهد واضح فى نصرة القضايا العربية، ودعم الصف العربي. وتحقيق التقارب المنشود بين افكارنا العربية. وقدمت ليبيا الدليل على التجاوب والتأييد الكبير الذى أولته ازاء كل القضايا العربية، وهكذا كانت مواقفها بالنسبة لفلسطين، ونضال الشعب الجزائر، والشعوب العربية فى الخليج والجنوب، وساهمت بقدرماتتحمل امكانياتها فى نصرة القضايا العربية، لانها كما تري مسئولية الواجب العربي المقدس.
دعم المملكة الليبية للعمل الفدائي الفلسطيني داخل الأرض المحتلة، واستمرارها دعم دول الجبهة العربية، والدور الكبير ساهمت به منذ أن تعرضت الأمة العربية للعدوان الصهيوني 5 يونيو... ليؤكد عروبة ليبيا أصالتها، وحرصها على أن تصبح للأمة العربية الحرية والعزة والمجد.
ليبيا... أفريقيا
ومنذ إعلان الاستقلال فى 24 ديسمبر، وليبيا تدرك مسئولياتها نحو أفريقيا كجزء من هذه القارة المتطلعة إلى آفاق لا تحد من الخير والسلام.ذلك أن الشعب الليبي عاني نفسالآلام لفترات وواجه نفس الاستعمار القوي الظالم تحكم لفترات تاريخية فى مقدرات القارة وخيراتها. ثم مر بنفس مراحل النضال التى عاشتها الشعوب الإفريقية، ومن هنا... من وحدة الآلام والنضال ضد الاستعمار، كانت سياسة المملكة الليبية ازاء تطورات القارة وأحداثها. وسارت ليبيا تشارك صنع الحاضر والمستقبل الإفريقي بكل من آمال عراض، من جهد وتجاوب.
ولم يكن غريبا أن تقف ليبيا فى صف الأخوة الأفريقيين، فى نضالهم وقضاياهم، تقدم لهم مساندة بلا حدود، وفتحت ليبيا صدرها وقلبها لكل نداء حر ينشد التعاون والتآزر، كما فتحت جامعتها ومدارسها لتستقبل العديد من الطلبة الإفريقيين، مساهمة بذلك فى تكوين الجيل الجديد.
واحتجاج على أساليب التفرقة العنصرية الحمقاء فى جنوب أفريقيا منعت التعامل التجاري مع هذه الحكومة، كما حرمت على سفنها وطائراتها استخدام والمجالات الجوية الليبية. وأعلنت مواقفها صريحا من قضية لحكم العنصرالأبيض فى الشعب الإفريقي فى روديسيا الجنوبية. وتوجت ليبيا جهدها البناء على الصعيد الأفريقي بالتوقيع على ميثاق أظهر إلى الوجود منظمة الوحدة الإفريقية. وشاركت جميع مؤتمرات القمة الإفريقية.
ليبيا والسلام العالمي
ومنذ الاستقلال فى 24 ديسمبر، وليبيا تدرك تجاه القضايا تخدم التحرر والسلام العالم. فليبيا كافحت طويلا ضد جحافل الاستعمار، وضد مؤامراته وأطماعه تؤمن اليوم إيمانا ينبع من أعماقها بضرورة قيام تضامن كامل، وتفاهم بين شعوب كافة.، تفاهم يبعد مخاوف الحروب وأخطارها، لذلك سارت ليبيا على سياسة مساندة قضايا التحرر العالم، والدعوة إلى بناء عالم أفضل، يتحقق فيه السلام، والخير للجميع. وارتفع صوت ليبيا دائما يؤيد أصوات الحق والسلام، ومدت يدها شرف لكل صديق... ذلك أنها ضد الاستغلال والاستعمار، فى صف الآخاءوالتعاون الإنساني.
وسارعت ليبيا مع غيرها من الدول إلى التوقيع على معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية.وساهمت فى حل الخلافات الدولية وساعدت على تخفيف تهدد العالم بالخطر، وساهمت أيضا فى تحقيق التفاهم والتقارب.
واعتنقت ليبيا سياسة عدم الانحايز فى عصر لا يجد فيه التكتل والتصارع بين المعسكرات. فهي صديقة للجميع... دون تفرقة أو تحيز، صديقة لكل مبدأ عادل وشريف يخدم قضايا الحرية والامن والسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق