اعتاد معظم الناس في أنحاء العالم أن يودعوا العام باستعراض خططهم للعام السابق ووضع تصورات وخطط لما يرغبون فى تحقيقه فى عامهم الجديد ويرجع ذلك لحاجة الأفراد في إيجاد وسائل جديدة تساعدهم على مواجهة التحديات والعقبات فى العصر الحديث حيث التنافسية العالية . وكنت أظنها كعادة انتشر الترويج لها فى السنوات العشرين الأخيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي والمواقع و المدونات الشخصية واعلانات الدورات المدفوعة أو المجانية كبدعة غربية ولكن مطالعتي لعدد من مجلة“ المجلة الجديدة ”الصادرة في عقد الثلاثينيات والأربعينيات بمصر في عددها رقم (1) بتاريخ الأول من يناير عام 1930 وبقلم رئيس تحريرها طالعت مادة شيقة وطريفة في محتواها حول عهد السنة الجديدة .
إذ كتب سلامة موسى في هذه المناسبة: ”للإنجليز عادة حسنة وهي استقبال العام الجديدة بعزمه جديدة هي كالعهد يكتبه الإنسان لكي يسير عليه طوال العام. فهذا يعزم عزمه شريفة على أن يبطل الشارب وهذا يعزم على ألا يتأخر في نومه إلى ساعة معينة. وهذا يعزم أن ينذر الصدق فلا يكب مدى حياته. وهذا يعزم على أن يخص ساعة أوس اعتني من كل يوم للقراءة والدرس وهلم جرا. وكل منهم يكون على نفسه صكا يتعهد فيه هذه العهود ويدون فيها هذه العزمان” .
و يشير الصحفي سلامة موسي إلى قدم هذه العادة أى وضع مخططات للعام الجديد فيقول أن القدماء كانوا يعرفون هذه العادة ففي القرن الرابع الهجري كتب أبوعلى مسكويه فى كتاب تجارب الأمم يعُد بعهد يلتزم به فى سلوكه الشخصي فينقل سلامة موسي هذه الفقرة عن ابن مسكويه :” بسم الله الرحمن الرحيم... هذا ما عاهد عليه أحمد بن محمد ربه، وهو يومئذ آمن في سربه، معافى في جسمه، عنده قوت يومه، لا تدعوه إلى هذه المعاهدة ضرورة نفس ولا بدن؛ ولا يريد بها مراءاة مخلوق ولا استجلاب منفعة، ولا دفع مضرة؛ عاهده على أن يجاهد نفسه ويتفقد أمره، فيعف ويشجع ويحكم، وعلامة عفته أن يقتصد في مآرب بدنه حتى لا يحمله الشره على ما يضر جسمه أو يهتك مروءته، وعلامة شجاعته أن يحارب دواعي نفسه الذميمة حتى لا تقهره شهوة قبيحة ولا غضب في غير موضعه، وعلامة حكمته أن يستبصر في اعتقاداته حتى لا يفوته بقدر طاقته شيء من العلوم والمعارف الصالحة، ليصلح أولا نفسه ويهذبها ويحصل له من هذه المجاهدة ثمرتها التي هي العدالة، وعلى أن يتمسك بهذه التذكرة ويجتهد في القيام بها والعمل بموجبها”
ويشجع سلامة موسي قراء مجلته على اتابع هذه العادة من أجل أن يتمكنوا من تقييم أنفسهم بشكل دقيق، ووضع مخططات منطقية يستطيعون الالتزام بها وتحقيقها بناءً على قدراتهم في مواجهة العقبات والالتزام بالقرارات آملين فى الوصول إلى الأفضل. فيكتب فى هذا الصدد قائلا :” وأحرانا جميعا بإزاء هذا العام الجديد بأن نعزم فيه بضع أزمات مفيدة نطالب أنفسنا بأدائها بل نعطي لأنفسنا درجات عن القيام بها آخر العام أو آخر كل شهر لكي نسجل التقصير والتقدم فنعتبر بهما ونعمل لرقي أنفسنا. ويحسن بنا ألا نقول كلاما إجماليا وإنما نفصل ونذكر أشياء نحاول إصلاحها حتى يتضح لنا القصد. ولايؤيسنا الإهمال وخوف الفشل إذ خير لنا أن نفشل بعد العزم من ألا نعزم بتاتا” .
وفى الختام ، نسأل الله أن يجعل عامنا هذا ملأه الانتصارات الوطنية والشخصية والاستقرار في عالمنا العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق