السبت، 3 فبراير 2024

جدتي ..مذكرات أرمنية - تركية ناجية من مذابح الحرب العالمية الأولي


"لا تخافون من الأموات، أيها الأطفال، فلن يتمكن أحد من إيذائكم بعد الآن. الشر يأتي من الأحياء، وليس الأموات."عبارة لطالما رددتها “سحر” جدة فتحية جتين الكاتبة والناشطة الحقوقية التركية .

 لم تكن تعرف فتحية أن للجدة تاريخا مجهولا لها وللأحفاد فقد عرفت جدتها كمسلمة متدينة وربة بيت سعيدة وأم بارعة فى تربية أبنائها ورعاية أحفادها ولكن مع التقدم فى السن ، عاشت اكتشافا شكلا صدمة نفسية كبيرة بالنسبة لها بعد أن باحت لها جدتها بأسرارها أخبرتها بأصولها شيئًا فشيئًا.جدتها لم تولد سحر بل هيرانوش غازاريان لعائلة مسيحية أرمنية. هاجر ذهب والدها مع أخويه الأكبر لأمريكا من أجل العمل . وكانت هيرانوش طفلة جميلة سريعة التعلم وذواقة للموسيقى وبدأت تذهب للمدرسة بقريتها عام 1913 وعندما تعلمت الكتابة والقراءة كانت تكتب رسائل إلى والدها وأعمامها تطلعهم على أخبار العائلة التي ظلت بالقرية حيث عاشت هيرانوش طفولة سعيدة فى مناخ اجتماعي صحي حازت فيه هيرانوش الطفلة الموهوبة إعجابا كبيرا . و فى عام 1915، هاجم الدرك التركي قرية هرانوش، حيث أخذوا الرجال والشباب وتركوا النساء والأطفال وتم ذبح الرجال وإلقاء جثثهم في نهر دجلة، ثم عادوا  من جديد وأجبروا النساء والأطفال على السير في مسيرة الموت، وأولئك الذين لم يتمكنوا من مواكبة ذلك قُتلوا بحراب الدرك. تم اختطاف هيرانوش وكانت تبلغ العشر سنوات حينها من قبل جندي تركي لم يكن لديه أطفال وتم تغيير اسمها ودينها وكبرت لتصبح زوجة مطيعة ومسلمة متدينة. ورغم ذلك كان تتم الإشارة إلى هيرانوش وأمثالها على أنهم "بقايا السيف"، وكانوا يعاملون كخدم منازل أو رعاة لدي العائلات التركية التى تقاسمت أطفال الأرمن .

 وقد أخبرت هيرانوش حفيدتها لأنها أرادت إعادة الاتصال بأي من أفراد عائلتها الذين نجوا، وكانت والدتها قد تم ترحيلها مع من تبقين حيا إلى مدينة حلب ، أما أخوها خورين فقد تم أخذه من قبل دركي تركي من قرية أخرى وأصبح اسمه أحمد وعمل راعي للمواشي وقد نجح خورين فى العثور على آثار شقيقته هيرانوش وظل يتردد عليها سر حيث اكتشفا مصير والدتهما التي تمكنت من التواصل مع الأب ،  الذى جاء من أمريكا إلى حلب للبحث عن أولاده وبحسب رسالة وصلت لخورين كان والدهما موجودا بحلب ويرغب فى تهريبهم بمساعدة مهربين على الحدود السورية - التركية إلا أن هيرانوش التي كانت زوجة وأما لطفلين فى ذلك الوقت رفض زوجها مغادرتها فرحل خورين وحده باتجاه حلب ثم إلى أمريكا برفقة والدهما . عاشت هيرانوش حتى عمر 95 عامًا لكنها لم تر أيًا من أفراد عائلتها مرة أخرى. قامت فتحية برحلة إلى أمريكا بعد وفاة جدتها لتلتقي مارغريت الأخت الصغرى لجدتها التي ولدت فى نيويورك ولم تلتق بشقيقتها هيرانوش أبدا. 


هذا الكتاب عبارة عن مذكرات عن تجارب طفلة عانت بشاعة السياسة وقسوتها ، فقد شهدت الإبادة الجماعية للأرمن الذين قُتل منهم حوالي المليون خلال الحرب العالمية الأولى. كما تم اختطاف الآلاف أيضًا، وخاصة النساء، وأجبروا على العيش كنساء تركيات ومسلمات، و تشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 2 مليون تركي اليوم قد يكون لديهم جدا أرمنيا واحدا على الأقل بحسب ما تذكر فتحية فى كتابها الذى تركز فيه على الضحايا الذين عانوا بشدة لكن دون إبراز مشاعر الكراهية والحقد واللوم. بل انصب تركيزها الأساسي على الاعتراف بالحقيقة وما حدث. 

 رغم صغر حجم الكتاب (139صفحة) إلا أن المؤلفة لم تكن بارعة فى عرض قصتها بشكل سلس ، إذ حشرت قصة حياتها منتصف الكتاب بحيث جعلتني أعود للقراءة من البداية كي أستوعب الأسماء الغريبة ومن هي هيرانوش ومن تكون أسكوهجي والدة المؤلفة برأيي لو كان للكتاب محرر لربما ظهر بصورة أفضل لكن تبقي قصة مؤثرة والكتاب جيد تضمن بعض الصور العائلية لهيرانوش وعائلتها التركية والأرمنية .

 صدر كتاب فتحية جيتين عام 2004 حيث حقق نجاحاً كبيرا وتمت ترجمته إلى أكثر من 13 لغة بينما فيها العربية وصدر الكتاب عن دار الفارابي ببيروت .تعيش الكاتبة فى برلين منذ العام 2012 بسبب تزايد الخطر على حياتها لتلقيها عدد لايحصي من التهديدات للقتل لأنشطتها فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق