الاثنين، 24 فبراير 2014

أشياء تتداعى ..



الأشياء تتداعى
المركز لم يعد في استطاعته التماسك
الفوضى الشاملة تعم العالم
الشاعر الأيرلندي ييتس

لقد استمتعت بقراءة رواية ( أشياء تتداعى) للروائى النيجيرى (شينوا أتشيبي) الذي رحل العام الماضى  عن عمر يناهز 82 عاما، حيث ساهم بتعريف العالم بثقافة وتراث افريقيا الغنى بالكثير من السمات المحلية التقليدية حيث قدم أتشيبى أعمال روائية حققت رواج ونجاح كبير من بينها هذه الرواية التى استوحى عنوانها من قصيدة للشاعر الأيرلندي ييتس ، والتى حاول (أتشيبى) من خلال هذه الرواية الرد على تقديم الأدب الغربى لصورة الافريقى الهمجى البدائى الذى لايمتلك أى تقاليد او حضارة جديرة بالاحترام و أن الانسان الابيض هو من جلب الثقافة والحضارة الى افريقيا، فأتشيبى كتب أشياء تتداعى ردا ً على رواية قلب الظلام لجوزيف كونراد التى اعتبرها (أتشيبى) نموذج لعقلية الغرب فى تلك الحقبة الاستعمارية التى تقسم الحضارة خارج اوربا وامريكا الى عالم متقدم ابيض ، اخر متوحش ملون و اسود .

و كانت روايته ( أشياء تتداعى ) تصف انهيار الحياة التقليدية للأفارقة أمام التوسع الاستعمارى الغربى فى افريقيا في نهايات القرن التاسع عشر، حيث قدم (أتشيبي) وصف لكل تفاصيل الحياة اليومية فى القبيلة من خلال بطله (أوكونكوو) ذلك المحارب الافريقي العنيد، الذي بنى مكانته فى المجتمع القروى و القبلى بنفسه ولم يرثها عن أبيه الكسول ، (أوكونكوو) المتشبع بالعادات والقيم الافريقية، الرافض لأي تغيير يأتيه من الخارج ،  لذلك لم يتورع عن قتل (أنيمومي) ابنه بالتبنى استجابة لمعتقدات وقوانين قبيلته .

تمضى الفصول الاولى فى الرواية فى تقديم تفاصيل ممتعة فى سياق سردى سلس حول العادات والقوانين القبلية الافريقية والمعتقدات الدينية والحياة الاجتماعية بتفاصيلها المتنوعة، وعالم الأساطير والأرواح والآلهة وعن السحر ودوره فى المجتمع الافريقى ، مستفيدا من التراث القبلى (للأيبو) النيجيرية التى ينتمى إليها (أتشيبى) ماجعلها تمثل لدى الدارسين وثيقة أنثروبولوجية، وسيسولوجية تساعد فى دراسة المجتمع القبلى الافريقى قبل الاستعمار الاوربى الحديث.

تنساب أحداث الرواية بشكل سلس ومشوق رغم تصاعد الأحداث فى حياة (أوكونوو) إذ يقوم بقتل أحد افراد القبيلة عن طريق الخطأ فى أحد الاحتفالات القبلية فيتم  تطبيق قانون قبلى يتضمن نفى (أوكونوو) مع أسرته خارج القبيلة على أن يعود بعد سبع سنوات ، فيقرر اللجوء إلى قرية اخواله حيث يعيد بناء حياته من جديد بانتظار عودته الى قريته وقبيلته الاصلية ، وفى تلك الأثناء يراقب (أوكونكوو) الأخبار المتداولة حول وصول الرجل الابيض الى قريته القديمة وبداية انتشار اعمال التبشير بقريته محولا عدد من افرادها الى المسيحية ، و تصل المأساة ذروتها باعتناق (نوويى) الابن البكر(لأوكونوو) المسيحية على أيدى اولئك المبشرين تحت اسم إسحاق بعد أن سحرته أناشيدهم وأشعارها، فقطع الصلة بعائلته وأبيه والتحق بالعمل ضمن البعثات التبشيرية ، من هنا تبدأ الاشياء تتداعى بسرعة فى العالم القديم (لأوكونكوو) الذى يرفض قبول الواقع  الجديد الذى صاحب حلول البعثات التبشيرية الاوربية فى قريته  فى أثناء غيابه عنها خلال السبع اعوام، ولذلك يسخر كل قوته وعناده لإعادة إحياء النظام القديم ، مستنهضا ً الهمم من خلال الارتكاز على القيم التقليدية القبلية  كالشجاعة، والروح الجماعية، دافعا عدد من افراد قبيلته لاحراق الكنيسة وطرد اعضاء البعثة التبشيرية و معهم معتنقى الديانة المسيحية من الافارقة خارج اراضى القبيلة ، ولكن الصدام الاكبر سيقع بين (أوكونوو) و من معه من زعماء قبليين يؤمنون بنفس نظرته ضد رجال السلطة الاستعمارية الانجليزية التى أصبحت تحكم قبضتها على القرية و البلد ، وينتهى الصدام بالقبض على (أوكونوو) ومن معه و ضربهم و توجيه اهانات لهم بتجريدهم من شارات الشرف و الوجاهة القبلية ، لتشهد الرواية نهاية مأساوية (لأوكونوو) الذى يقوم بشنق نفسه فى غابة الشر بعد قيامه بقتل حارس المحكمة الذى اهانه ، وبهذا الانتحار يحُرم (أوكونوو) من جنازة تشييع كالابطال ليمثل موته بهذه الطريقة هزيمته أمام القادم من الخارج .

لقد كانت رواية (أشياء تتداعى) هى أول رواية أفريقية تُكتب بالإنجليزية ، وكانت عدة دور نشرقد رفضت طبع الرواية لتقبل دار هاينمان نشرها فى العام 1958، ثم سرعان ما انتشرت لتصبح من أهم روايات القرن العشرين ، حيث بيع أكثر من 10 ملايين نسخة عبر العالم ، وترجمت إلى اكثر من 50 لغة ، كم تم ادراجها ضمن المناهج الدراسية في المدارس والجامعات الأوروبية والأميركية، ولاتزال تُعد من بين أكثر الروايات المقروءة في العالم . 

-----------------
عن ويكيبيديا :ولد شينوا أشيبي في شرق نيجيريا عام 1930 ، وقد عمل بعد التخرج من جامعة ابادان بنيجريا في هيئة الاذاعة النيجيرية كمنتجاً ومخرجاً في القسم الاجنبي وخلال تلك الفترة بدأ مهنة التأليف ، قام بتأليف خمس روايات : (أشياء تتداعى ، 1958) و(ولم يعد مرتاحا ً، 1960)و (سهم الحرب 1964) و(رجل الشعب ، 1966) و(كثبان النمل في السافانا ،1987)  ، كما نال الأديب أتشيبى نحو 25 دكتوارة فخرية من جامعات في شتى انحاء العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق