يوافق
يوم 10 ذو الحجة عيد الاضحى أ و العيد الكبير كما نطلق عليه فى ليبيا بعد انتهاء
وقفة يوم عرفة الذى يقضى الناس جزء من نهاره فى التجول فى سوق الماشية من أجل شراء
خروف كلا حسب مقدرته المادية ، ليقدم كأضحية صباح يوم العيد ، كما تجتمع معظم
العائلات والاسر الليبية يوم عرفة فى بيت العائلة من أجل تناول وجبة طعام يسمونها
"طعام يوم الكبيرة" حيث يطبخن ربات البيوت البازين او الكسكسى ، ومع
تطور الحياة خلال العقود الاخيرة بدأت تتقلص هذه الاجتماعات لتناول الطعام ،
والاكتفاء بقضاء يوم العيد معا .
ولم
يكن يكفى الليبيين فى تلك السنوات ماعانوه من ضيق وفقر وفقدان للارزاق بسبب الحرب
والاحتلال الايطالى حيث يسجل الباحث
التاريخى الراحل محمد الأسطى فى مذكراته "ورقات مطوية " ذكرياته حول تلك
الفترة الصعبة التى عاشها أبناء مدينة طرابلس فى السنوات الاولى لاحتلال الإيطالى
فيقول :" .. وعملية شراء الخراف ايضا ً بالنسبة
للعيد الكبير تنشط حتى تمتلىء البيوت بالخراف ولكن هذا العام لم يحدث شىء فلا الحجاج
اتوا ولا رعاة الاغنام قدموا من البادية لبيع الاضحيات هذه الأمور التى صارت مألوفة
وتواترت فى مواسمها اختفت هذا العام ...جاء عيد الاضحى ولم يضح احد كل مظاهر العيد
الاخرى اختفت فلم تقم الملاهى والالعاب فى الميادين الملابس الجديدة والحلوى والاراجيح
وزيارات الاقارب للمعايدة والتى تتم من جهات نائية بمناسبة العيد حتى هؤلاء لم يحضرمنهم
أحد فخطوط القتال اصبحت هى الفاصلة والتى يتوقف عندها وعليها كل شىء ..".
وقد
ارتبط عيد الاضحى بذكرى حزينة عاشتها طرابلس تحت الاستعمار الإيطالى فقد اُرتكبت
جريمة بشعة بحق مجموعة من سكان طرابلس من المدنيين عندما نُفذ فيهم حكم الإعدام فى
اليوم الخامس بعد العيد ويقدم لنا الأسطى رحمه الله فى مذكراته "ورقات
مطوية" شهادته على هذه الجريمة فيقول : ".. مرت الايام الاربعة الأولى
من العيد على مثل هذه الوتيرة من الكآبة ربما اقتصر المظهر الوحيد المتبقى من
العيد على اداء الصلاة فى اليوم الأول ..حالة الكآبة والحزن امتدت حتى ابواب
المساجد فى اليوم الخامس عند الصباح لاحت فى الافق طلائع نذر سوداء ..حيث نفذ
المستعمر الايطالى احكام الاعدام فى مجموعة من الشباب والشيوخ من سكان طرابلس ممن
اصبحوا يعرفوا باسم شهداء سوق الخبزة الميدان الذى اطلق عليه الايطاليون اسم ميدان
ايطاليا ولكنه منذ ذلك اليوم اصبح يحمل فى قلوب وذاكرة سكان المدينة اسم ميدان
الشهداء وهكذا جاءت تسمية واحد من اهم ميادين طرابلس الآن " .
* * *
لاشك
ان حرص الليبيين بتلك الاعوام على مراعاة حال الفقراء فى مجتمعهم وتكاثفهم
وموآزرتهم لبعضهم البعض كان له طيب الأثر لتخفيف من وطأة الاستعمار ومايرتكبه من
جرائم بشعة بحق المدنيين ومن آثار الحروب العالمية التى دارت رحى بعض معاركها
المدمرة فوق الأراضى الليبية ، فيروى الحاج عمران الجلالى حكايات عما يتذكره من
احسان وعطف كثير من كبار التجار وأعيان مدينة بنغازى فى تلك الاعياد والمناسبات إذ
يقول :".. إن صلة الرحم والمودة
التى كانت سائدة فى ذلك الوقت قد خففت الكثير من عوز و حاجة هؤلاء الفقراء ، حيث
نرى قبل يوم العيد بيومين او ثلاثة أيام بعض العربات"الكاروات" التى
تجرها الخيول وهى محملة بالأضاحى وتقوم بتوزيعها على بيوت معينة من الذين قال الله
جل جلاله :" للفقراء الذين احصروا فى سبيل الله لايستطيعون ضربا فى الأرض
يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ، تعرفهم بسيماهم لايسألون الناس الحافا ً"
سورة البقرة الآية رقم 273، وكان هناك عدد من المواطنين أصحاب الفضل لم يقصروا فى
جبر خواطر الفقراء مثل السيد شفيق خزام ، والسيد محمد القردوح، والسيد يوسف لنقى
".
* * *
لم
يكن يقتصر عطف أولئك الميسورين على توزيع الاضاحى ، بل يتعداه ليتشارك الناس فى
الاطعمة حيث يتبادل سكان الشارع الواحد والأحياء القريبة الأكلات الشعبية كطبق
القلاية و الطواجين التى تعُد من اللحوم الطازجة مع الخضار والتوابل فتفوح الرائحة
فى الأزقة القديمة من جميع الأفران العتيقة.
ولم
تكن تختلف مظاهر الاحتفالات بعيد الاضحى بمدينة درنة عن بنغازى كما تقول والدتى
:".. إذ يجتمع الأطفال مرتدين ثيابهم الجديدة ، فى ساحة الميدان المخصصة
لوقوف العربات التى تجرها الخيل(الحناتير) وتؤجر كل جماعة من الأطفال والبنات
عربة لتطوف بهم شوارع المدينة الجبلية الصغيرة ، وهم يرددون الأهازيج الحماسية
والفكاهية والغزلية ، ويتبادل الجيران طبيخة يوم العيد التى تعُد من لحم الاضحية
" .
* * *
"كبشي
قدم احتجاج يريد العيد مع الحجاج" ، "كبش العيد امنزل دمعة.. حاير بين خميس
أو جمعة" كانت نماذج من رسائل تبادلها المواطنون فى ليبيا قبيل عيد الأضحى
عام 2009 م ، ففى سابقة شاذة من أحد أنظمة الحكم بدولة من الدول العربية
والاسلامية فى العصر الحديث ، تغيير موعد العيد واعلان الخميس 26/11/ 2009 يوم وقفة
عرفات هو أول أيام عيد الأضحى فى ليبا فى مخالفة تعكس شذوذ تفكير وتصرفات القذافى
فى حينها ، وقد شكلت هذه الحادثة نقطة تحول كبيرة فى تعامل الليبيين مع الاوامر
الرسمية للنظام ، فلم يكتفى الليبيين بتبادل الرسائل النصية عبر الهواتف المحمولة
، ونشرها عبر حوائطهم بمواقع التواصل الاجتماعى كالفيسبوك وتويتر، وإضافة إلى الرسائل والنكات الساخرة
من قرار النظام فى حينها ، صدر عن علماء دين ليبيين كالشيخ أحمد القطعانى ، و د.الصادق
الغريانى ، والشيخ ونيس الفسى وآخرين ، عدد من الفتاوى تخالف توجه الدولة، حيث أفتوا
بعدم جواز مخالفة وقفة الحجيج بعرفة ،
والتأكيد على أن الخميس هو يوم وقفة عرفات، وأن الجمعة هو يوم عيد الأضحى، وقد
تحول عيد أضحى عام 2009 م إلى اكبر اعلان لعصيان مدنى سُجل فى تاريخ ليبيا منذ
العام 1969 م ، إذ امتنع الناس عن أداء صلاة العيد المعلنة ، و واصلوا صيامهم يوم
وقفة عرفة ، وتجوالهم فى أسواق الماشية لشراء أضاحى لذبحها يوم الجمعة ، كما سجلت
كاميرات القناة الحكومية صلاة العيد يوم الخميس بمساجد تكاد تخلو من المصلين ، بينما التقطات كاميرات
الأجهزة الهواتف المحمولة ساحات ومساجد صغيرة تغص بالمصلين بيوم الجمعة.
ورغم
الاوامر المشددة للأجهزة الأمنية بحصر المخالفين من أئمة ومؤذنين المساجد والمصلين
من المواطنين إلا ان اتساع مساحة الرفض الشعبى للاعلان الرسمى للنظام ، أظهر صعوبة
القبض على غالبية الشعب الليبى فى حينها ، مما دفع بالنظام الحاكم بغض النظر عن
الاوامر الصادر ، وعدم التجرأ على تنفيذها.
* * *
نتيجة
لتردى الاوضاع الامنية فى بنغازى ومدن ليبية أخرى ، وسقوط الكثير من الضحايا
بأرقام تبعث على الألم والحسرة ، خفت موجة الحماس لدى الكثير من الليبيين للاستعداد
لعيد الاضحى هذا العام رغم المحاولات لدى البعض من أجل المحافظة على تقاليد وطقوس
هذا العيد.
أتمنى
أن يعود علينا العام القادم ووطنى ينعم بالأمن والاستقرار والسلام
سيأتي يوم بأذن الله وتعاودي نشر التدوينه,بعد ان تضيفي أسطر من كلمات واحرف مبهجه موضحه فيها تفاصيل عودة الاحتفالات بالعيد في كل أرحاء ليبيا,أقريب هذا اليوم ام بعيد,لا أعلم,ولكنه سيأتي.....
ردحذف