الخميس، 8 يناير 2015

نساء الطغاة ..



 تتناول الباحثة الفرنسية "ديانا دوكريه " فى هذا الكتاب أجزاء من حياة مجموعة منتقاة من دكتاتورى العالم والنساء اللائى أحطن بهم ، حيث تحكى الكاتبة تفاصيل العلاقات الغرامية ، ومايتخللها من مواعيد ولقاءات ، و ماتركته الحياة السياسية على حياتهن ، بالمقابل ماساهمن بالتأثير فى حياة الطغاة سواء بالسلب أو الأيجاب ، ومدى أثار تلك العلاقات العاطفية على الحياة السياسية ، يمتلىء الكتاب بتفاصيل صغيرة حول شخصيات طغاة كهتلر و موسولينى و موتسى تونغ و سالازار ، وما اتبعوه من طرق لاغواء النساء ، وكيف تفاعلوا مع المعجبات ، وإلى أى مدى ذهبوا فى نزواتهم ، أو تلبية نزوات ورغبات نسائهم.
 بنيتو موسولينى ، حياة المرشد


بحسب مقاييس الجمال لدى الطليان تمتع موسولينى بجاذبية طاغية لدى النساء إذ "كن يشعرن بضعفهن يتحول إلى قوة " عندما يتوجه إليهن بالحديث ، لهذا استغل موسولينى هذا الجانب جيدا فى السيطرة والتأثير على الجماهير ، فهو تبنى مبدأ سياسيا ً يقوم على توجيه خطاب لجمهور لا إلى شعب .

كانت بداياته العاطفية مع فتيات قرويات وقعن ضحية لما كان يمارسه عليهن من سحر حتى تحول الى سابى للقلوب .
 
موسولينى و مرغريتا سارفاتى


فى العام 1904 تعرف الى أنجليكا بالانوف واحدة من المثقفات المنتمية للطبقة الارستقراطية العريقة فى أوربا ، التى تحولت لاعتناق الشيوعية ، رافعا راية الفكر النسوى فى ذلك الوقت ، فارتبطا بعلاقة عاطفية وطيدة ساهمت فى ايصاله لمراتب متقدمة فى الحياة الصحفية التى كان يخطو الخطوات الآولى فيها قبل ان يكثف من نشاطه السياسى ويتحول لشخصية سياسية مرموقة مع منتصف العشرينات من القرن الماضى ، فى أثنائها لايكتفى بعلاقته بأنجليكا ، إذ تدخل لحياته العاطفية والسياسية امرة اخرى هى مرغريتا سارفاتى زوجة محامى مرموق ستتخلى عن حياتها الزوجية والأسرية فى سبيل عشقها الجنونى  لموسولينى الذى لن يقدم لها شىء بالمقابل ، بل يقيم علاقات عاطفية عابرة ، أثناء وجودها كعشيقة فى حياته ، ساهمت مارغريتا الخبيرة فى الصحافة فى صنع أسطورة ترتكز على قوته الجسدية فهو الذكر الكامل الذى يعمل خمس عشرة ساعة فى اليوم ، بقدرة هائلة على التركيز وقوة جسدية لاتضاهى ، ساهرا على مصالح ومصير إيطاليا.


 وعندما توفى زوج مرغريتا فى العام 1924 رفض موسولينى الانفصال عن راشيليه زوجته المقيمة فى بيتهم بميلانو بعيدا عن الاضواء ، فى هذه الأثناء بدأت مرغريتا تقع ضحية لما صنعته ، إذ بدى أن وجود عشيقة رسمية فى حياة موسولينى الرجل المرسل من السماء ، المتحلى بأخلاق حميدة ، وجود مشين .
بنيتوموسولينى والعشيقة كلارا بياتشى
 خرجت مرغريتا من حياة موسولينى لتحل محلها عشيقة جديدة وأخيرة هى كلارا بيتاتشى التى التقاها بصحبة أسرتها على الطريق المؤدى للشاطىء البحر بمدينة أوستى حيث تقضى أسرة بيتاتشى عطلتها.


مارس موسولينى المزيد من الأكاذيب والحيل لنيل قلب كلارا ، ولابقاء زواجه من راشيليه قائما ، محافظا على مظاهر زائفة أمام الشعب الإيطالى الذى وصل فى سنوات ماقبل الحرب العالمية الثانية لذورة عبادة الدوتشى .
كتُب في العام 1938 لعلاقة كلارا وموسولينى الانطفاء مع هبوب نذائر بحرب عالمية جديدة على أبواب أوربا والعالم ، إذ كانت المصائب الشخصية والعامة تتوالى على حياة الدوتشى ، من فقدان لابنه برونو ، لخسائره على الجبهة الروسية ، لبروز مؤأمرات لاسقاطه داخليا ، كل ذلك دفعه للعزوف عن مواصلة علاقته الغرامية بكلارا الشديدة الاخلاص التى لم تتخل عنه ، حيث تبعه حتى آخر لحظات حياته فى هروبه باتجه سويسرى متخفيا فى لباس جندى ألمانى لكنه يقع فى أيدى المناوئين واعداءه الحزبيين فيتم اعدامه بالرصاص مع عشيقته كلارا التى تحرص حتى آخر لحظة فى حياتها على أرضاء الدوتشى الصعب قائلة ً: "هل أنتَ راض عني لأني سأموت معك؟"                                                              ***
     

أنطونيو سالازار ، الحب يقرع الباب مرتين
         

على محطة القطار فى العام 1905 يتلقى أنطونيو سالازار الطالب بالمدرسة الأكليريكية الآنسة فليسمينا دى أوليفارا  صديقة شقيقته ماريا ، كان أنطونيو فى السادسة عشر ، وفليسمينا تكبره بسنتين ، جاءت لقضاء جزء من العطلة فى بيت صديقتها .

كانت فليسمينا تنحدر من أسرة متواضعة ، قررت الالتحاق بسلك الرهبنة وتكريس حياتها لخدمة الرب ، ولكنها عدلت عن ذلك للالتحاق بدار المعلمين بفيزو حيث ستلتقى بماريا سالازار، فى تلك الفترة من حياة فليسمينا تحولت لاتخاذ شخصية فتاة متزمتة ترتدى اللون الأسود وتتشدد فى سلوكها ، وتتبرع بأعطاء دروس لزميلاتها المعوزات .

تلقت فليسمينا رسالة من أنطونيو يبوح فيها بمكنونات قلبه ويخبرها فيها عن استعداده لتغيير مسار حياته وترك دراسة اللاهوت والزواج بها ، فأشعرها هذا الأمر بالاثم ، فقررت رفض مشاعره وعاطفته ، يتكرر هذا العرض على مدى سنوات طويلة حتى يفقد أنطونيو الأمل بقبولها وتتحول العاطفة بين الاثنين الى صداقة قوية ومتينة ، تقوم فيها فليسمينا بمد يد العون والدعم لانطونيو الذى تحول من دراسة اللاهوت لكلية الحقوق بكومبرا ، حيث ينجح فى الحصول على درجته العلمية ، قبل أن يبدأ الصعود فى الحياة الحزبية والسياسة بالبرتغال فى سنوات الجمهورية الأولى ، تحت رعاية أسرة برستوالو العريقة التى ستساهم فى تعليم أنطونيو طرق حياة الطبقة النبيلة بالبلد .

مع وصول أنطونيو للحكم تصبح فليسمينا صاحبة تأثير قوى ، فهى من أدق مخبرات سيد الدولة الجديدة ، حيث شغلت منصب مفتشة المدارس كأول امراة برتغالية تنال هذا المنصب ، ولم يكن لاحد أن يحتفظ بسلطته دون رضاها ، كانت فليسمينا تتحول شىء فشىء لامرأة شديدة المرارة ، فاقدة لايمانها القديم ، تميل لانتقام لأدنى شبهة او هفوة .                        
           
انطونيو سالازار و فليسمينا دى أوليفرا فى فترة الشباب

 أما المرأة الأخرى فى حياة دكتاتور البرتغال سالازار فهى الصحفية الفرنسية كريستين غارنييه التى جاءت فى العام 1951م  للبرتغال لاجراء ابحاث ولقاء انطونيو من أجل تأليف كتاب حوله ، وكانت كريستين أمراة لاتعرف النفاق الذى تفرضه الحياة السياسية ، فقالت له :" يقول البعض إنك قديس وأنه لن يمر وقت طويلقبل أن تطُوب . والبعض الآخر يرى إنك زعيم عديم الاحساس والإنسانيةوصيت تقشفك ذائع الى درجة أنهم نصحونى بعدم التعطر وتجنب طلاء أظافرى.." فتن انطونيو بهذه الثقة بالنفس و سمح لها بطرح ماتريد من اسئلة ، كما دعاها لقضاء أيام فى سانتا كومبا البيت الريفى الذى يعود لاسرته حيث كان يقضى أوقات طويلة للراحة وأثناء العطلات .


كان أنطونيو يصحب كريستين فى نزهات مستندا على عصاه الهندية ، مثيرا ظهورهما معا همس ولغط بين القرويين ، فكريستين كانت أمراة فى الثلاثين ، فى حين بلغ سالازار الإثنين والستين ، وقد قضيت كريستين صيف ذلك العام تتنقل بين سانتا كرمبا وبرشلونة ، قبل ان تصبح مواظبة على التنقل بين فرنسا والبرتغال فقد وصلت الى مرحلة أن تصبح عشيقة لدكتاتور البرتغال العجوز ، وكان سالازار ينفق ببذخ على نزوات كريستين ورغباتها ، بالمقابل كان يستغلها لابعد مدى ، إذ كانت كريستين تسافر كثيرا وتخالط النخبة الفرنسية والوزراء والأعيان ، وتملك شبكة علاقات واسعة فى أوربا جعلته يلجىء لطلب خدماتها فى المسائل الحساسة التى تتطلب الابتعاد عن القنوات الدبلوماسية الرسمية .
أنطونيو سالازار برفقة الفرنسية كريستين غارنييه فى قريته سانتا كومبا
 فى 27 من مايو عام 1970 توفى سالازار فى بيته بسانتا كرمبا برفقة مدبرة منزله التى احبته بصمت لعقود طويلة دون ان يبادلها العاطفة ، بالمقابل رحل دون ان يلقى نظرة وداع على فليسمينا من أحبته قرابة النصف قرن ، وبقيت عذارء من أجله .
                                                   ***


فوهرر إسمه الرغبة 


"..ياقائدى الحبيب ، لابد لى أن أفكر فيك كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة . لكنت أذهب بكل سرور إلى برلين للألقاك ، هل يحق لى هذا؟ مهم حصل فإن حياتى ملك لك . أود لو أعرف مغزى كل ذلك . إذ لم يعد باستطاعتى أن أعمل ، لأنى افكر فيك دوما ً . لايسعنى أن أحب غيرك أكثر منك . آمل أن تتحقق أمنيتى. أرجوك أكتب لى إذا كان يحق لى المجىء" ..كانت هذه واحدة من مجموعة ضخمة من رسائل تلقاها أودلف هتلر فى مستشارية الرايخ ، كانت الرسائل التى تصل بعيدة كل البعد عن مراعاة شروط الأعراف عادة ، فكانت تتدفق يوميا رسائل لتقديم التهانى او النصائح اللطيفة او البوح المتقد ، كلها موجه لهتلر أثناء توليه السلطة فى ألمانيا ، رغم صعوبة تصور هذه الشخصية الغريبة والشاذة رمزا ً لمثال جنسى لدى النساء ، والملفت للانتباه  لم يكن من بين آلاف هذه الرسائل ولا حتى رسالة او بطاقة تحمل اللوم أو الانتقاد ، و أستوجب هذا التدفق فى الرسائل تخصيص أرشيف لمراسلات هتلر الخاصة .

أودلف هتلر برفقة جلى إبنة اخته المنتحرة

 ستركز المؤلفة على ثلاث نساء فى حياة هتلر ، الاولى هى جلى ابنة أخته ، التى كانت تعيش معه لمدة تزيد عن ثلاث سنوات ، حيث تقع فى حب أميل موريس سائق هتلر و يقررا الزواج ، ولكن هتلر يرفض اعطائهما الموافقة ، بل ويتآمر على تفريق الحبيبن ليحتفظ بجلى لوحده ، فيقوم باحتجازها فى بيته بدعوى مراقبتها ، مشبعا نزواته كل مرة منها ، حتى تصل الى مرحلة اليأس وتقرر الانتحار واضعة حد لحياتها.

 أما المرأتين الاخريين فهما أيفا براون العاملة البسيطة فى محل للتصوير حيث يتم لقائها الاول بهتلر فتقع تحت تأثير شخصيته مع الفارق الكبير فى السن ، وتتحول لعشيقة تأكلها الغيرة التى تصل لحد تهديد هتلر بالانتحار ، قبل ان تنتهى حياتها معه فى الحصار الأخيرة لمبنى المستشارية فى برلين بعد اتمام اجراءات زواج لايتجاوز البضع ساعات ، ليأتى قرار الزواج متأخرة .

صورة عائلية تضم ماغدا جوبلز مع الزوج والأطفال الضحايا
 أما المرأة الثالثة فهى ماغدا جوبلز زوجة وزير اعلامه ، هى ابنة غير شرعية لمهندس المانى مرموق وفر لابنته افضل حياة مرفهة ولم يتخلى عنها ، رغم ذلك تحولت ماغدا لانسانة مغامرة ، ربما يفسر دافعها لانخراط فى الحياة الحزبية فى ألمانية فى تلك الفترة لاقتراب اكثر فأكثر من الفوهرر هتلر ، بل وتقبل بالزواج من وزير اعلامه القبيح صاحب الشخصية المتجهمة الكئيبة جوبلز كى تبقى على مقربة من معبودها ، منهية حياتها وحياة زوجها وأطفالها الستة فى حفلة الانتحار المقامة فى الساعات الأخيرة من عمر الرايخ الالمانى أثر الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية على يد قوات الحلفاء .

                                                         ***
 يضم الكتاب ثمانى شخصيات من طغاة العصر الحديث ، ولكنى استعرضت هنا 3 منهم فقط ، كأختيار يتوافق مع رغبتى فى فهم الكيفية التى جعلت موسولينى وحياته العاطفية والجسدية تترك بأثارها على بلدى فى أثناء الاختلال الإيطالى فى سنوات العشرينات والثلاثينات من القرن الماضى ، فبعض الذكريات المروية فى الكتاب استنادا ً لمراجع تتضمن مذكرات وأبحاث حول حياة نساء موسولينى وبالاخص مرغريتا و كلارا وأنجليكا تساهم فى فهم طبيعة الكثير من قرارات هذا الدكتاتور الذى ارتكب الكثير من الجرائم بحق الشعب الليبى و الشعب الحبشى و غيرها من الاماكن التى اكتوت بنيران طموحه وجنون العظمة التى عانى منها منذ بدايات حياته السياسة .

أما سالازار فمدى ماتركه حب قديم من سنوات الشباب الاول على افكار هذا الدكتاتور الذى حول بلاده لسجن كبير ، و كرس الكثير من الافكار الرجعية حول مكانة المرأة ، وزرع الارهاب فى نفوس الشعب البرتغالى ، فتحت تأثير افكار فليسمينا الرجعية المتزمتة حول مكانة ودور المرأة بالمجتمع البرتغالى سن الكثير من القوانين وحصرت دورها فى أضيق نطاق .

وفى مايخص بشخصية هتلر فمازالت لا استوعب حتى الآن ماهو الجاذب فى هذا الرجل الشاذ انسانيا والغريب الاطوار ، ماالذى يدفع امرأة كأيفا او ماغدا تتمتعان بالجمال والقدرة على البدء بحياة جديدة مختلفة بعيدا ً عن هذا الدكتاتور بالتمسك بالبقاء معه حتى آخر لحظة فى حياتهن وحياته ، بل كيف تقدم أم على تسميم أطفالها فى حفلة الانتحار الجماعية فى مبنى المستشارية .

الكتاب شيق ، استخدمت الكاتبة أسلوب قصصى سردى ، سلس ، و مختصر ، ومركز ، ويظهر من خلال المراجع المرفقة فى صفحات الكتاب مدى مابذلته من جهد كبير فى تقصى الحقائق حول حياة أولئك الطغاة ونسائهم ، مقدمة صورة موضوعية حول كل شخصية دون الانحياز او السماح لافكارها ومشاعرها الشخصية بالتدخل فى السرد المعلوماتى الثرى .

هناك تعليق واحد:

  1. مبدعة يا ايناس ...
    الكتاب أردت أن أقرأه مرارا لكن لم أجد ما يشجعني على قراءته حتى قرأت ما كتبتِ الآن

    ردحذف