"كل شوق يسكن باللقاء، لا يعوّل عليه"
ابن عربي
ابن عربي
قرأت عبر موقع القودريدز آراء وتعليقات القراء حول رواية
جديدة اسمها "شوق الدرويش" لروائى سودانى شاب اسمه "حمور
زيادة" صدرت بالعام الماضى 2014 ، ونالت رضاهم واستحسانهم مما حفزنى لوضعها
على قائمة القراءة لشهر يناير 2015 ، و لم يكن اعجاب الأصدقاء من مشتركي الموقع هو
الحافز الوحيد لذلك ، او ظهورها على القائمة الطويلة لترشيحات البوكر لعام 2015 ،
إذ كنت اضع بالاعتبار رغبتى الدائمة فى
توسيع أفق قراءاتى بإتجاه عوالم ودول جديدة وأماكن وثقافات لا نعرف الكثير عنها
خاصة فى عالمنا العالم العربى ، بالرغم من كل الدعايات حول الأخوة فى الدين واللغة
والأصل المشترك والخ من ديباجات وكليشيهات كنا نسمعها فى وسائل الأعلام الحكومي
الرسمي لأنظمتنا السابقة دون أن نعرف او نتعرف حتى على أنفسنا وثقافاتنا وتاريخنا
ولو بالقدر اليسير .
***
تبدأ رواية شوق الدرويش مع نهاية المهدية بالسودان أى
العام 1898م ، إذ يُهزم" عبد الله التعايشي "خليفة مهدى الله و دخول
القوت الأنجليزية والمصرية إلى أم درمان عاصمة الدولة المهدية ، و استرداد بطل
العمل الروائى "بخيت منديل" حريته وسط الفوضى التى تعم المدينة إذ يُطلق
سراحه من سجن (الساير ) ليخرج باحثا ً عن أعدائه لينتقم لمقتل ثيودورا/حواء حبيبة
القلب .
عبر صفحات الرواية نتعرف على حكاية "بخيت
منديل" و اليونانية "ثيودورا/حواء" التى جاءت من الإسكندرية إلى
الخرطوم ضمن البعثة التشيرية لتقع فى أسر جنود المهدى ، وينتهى بها الحال فى بيت
أحد كبار التجار الانتهازيين ممن ركبوا موجة الحركة المهدية لتحقيق مكاسب شخصية ،
فيدخلها سيدها إبراهيم ود الشواك الاسلام بالقوة ، طمعا ً فى معاشرتها كجارية ومع
رفضها وماقومتها لمعاشرته يعاقبها بالختان والنبذ قبل أن ينهى حياتها بعد محاولتها
الفرار الفاشلة برفقة إحد الأدلاء ممن قادوها فى رحلتها للخرطوم ، قبل أن تعقد
العزم على الفرار تلتقى بالعبد "بخيت منديل" المحرر لتوه من نير الأسر
لدى سيده المصرى "سعيد أفندى" بعد هزيمة "جردة النجومى " فى منطقة توشكى
بالجنوب المصرى ، فتتوطد المعرفة بين بخيت و ثيودورا/حواء ، وتتحول مشاعر الود الى
حب عميق من طرف بخيت ، بينما تظل ثيودورا/ حواء تتخبط بين مشاعر القبول والرفض
لمشاعر الحب تلك ، وبين الحيرة تجاه حقيقة ماتشعره ومايختلج فى أعماقها من اعجاب
وعاطفة سامية "لبخيت" الذى ينتمى للأرض التى تسببت لها بالكثير من الألم
و الوجع والفقد ، و تظل مشاعر الحيرة تتجاذبها حتى لحظة الرحيل.
خروج "بخيت منديل" من السجن وسعيه لانتقام
لمقتل الحبيبة ثيودورا /حواء يقوده للوقوع بين يداى "الحسن الجريفاوي" طالب
القرآن وتلميذ أحد كبار الصوفيين ، ومن سيكون صهره بعد زواجه من ابنته فاطمة
"الجريفاوى" قبل أن يطلقها ليلحق بالمهدى من أجل رفع الظلم واقامة العدل
، ونشر الإسلام وفقا لرؤى يوتوبية ، من خلال "الحسن الجريفاوى" نتلمس
مشاعر نموذج عن البسطاء والمؤمنين الأنقياء ممن يمتلكون قابلية الإيمان الإعمى
بالمخلص أو المنقذ قبل أن يقعوا ضحايا لشكوك تقودهم لفقدان ذلك الإيمان العميق .
***
من خلال ايقاع سريع ومشوق نتعرف على حياة "بخيت منديل" من العبودية والأسر الاستغلال
الجسدي والسجن و العنصرية ، و على حياة الأوربيين والمصريين والأتراك الموجودين
بالسودان بتلك الفترة التاريخية ، وتاريخ بناء مدينة الخرطوم ، و عن ظلم الحاكم الأجنبى أثناء فترة الحكم التركى –
المصرى أو الحكم الأنجليزى ، عن المظالم التى وقعت فيها دولة المهدى ، عبر تقنية
الفلاش باك أى العودة للتذكر بين الحاضر و الماضى دون الألتزام بخط زمنى واحد قد
يبعث الرتابة فى نفس القارىء ، كما يقسّم الرواية فصولاً تحمل أرقام ، والفصول الى فقرات مرقمة .
كما يلجأ "حمور زيادة " لاستعمال أدوات سردية
عدة نتعرف من خلالها على باقى خيوط الحكاية و أقدار إبطالها الرئيسيين "بخيت
منديل" و "ثيودورا/ حواء" و " الحسن الجريفاوي" فيتداخل
السرد الروائى مع الوثائق التاريخية ، و الحكايات الشعبية ، و الأغانى ، و الرسائل
والمذكرات ، وحتى النصوص الدينية من القرآن الكريم و التوراه والانجيل ، و القصائد
والنصوص الصوفية .
لم استسغ العاطفة الجياشة ، المغرقة فى الرومانسية عند
"بخيت منديل" تجاه "ثيودورا/حواء " رغم وجود "مريسيلة
" الحسناء السودانية التى بذلت أقصى جهدها مضحية بالكثير لاسترضائه ، كما لم
افهم الدوافع أو المبررات النفسية "لبخيت منديل" بأصراره على الانتقام
لحبيبته التى لم ترق أو تلين أمام كل تلك العاطفة القوية النبيلة .
إيضا لم أجده تصرف مفهوم من سعيد أفندى المالك المصرى للعبد" بخيت
منديل " بإعطائه حريته و ومنحه كمية كبيرة من المال ، رغم فقره وعوزه وسعيه
لجمع المال .
كانت شخصية"الحسن الجريفاوى " تتمتع بسحر
وجاذبية وتأثير أكثر من أى شخصية أخرى بالرواية ، إذ جاء تكوينها النفسى
واستعدادها الصوفى متساقا ًمع الأحداث التاريخية بالبلد فى الفترة التى يتناولها
الكاتب ، كما أحببت شخصية "مريسيلة" بشجاعتها وكبريائها وعاطفتها
الصادقة فى مواجهة شبح ثيودورا /حواء الحائم حول "بخيت منديل" وحرمان
"مريسيلة " من فرصة الحصول على قلبه .
***
حمور زيادة هو صحفي
ومدون سودانى ، يقيم حاليا بالقاهرة منذ عام 2009 ، صدرت له مجموعتان قصصيتان هما
"سيرة أمدرمانية" و"النوم عند قدمي الجبل" ورواية "الكونج
" ، و رواية "شوق الدرويش" التى دخلت القائمة الطويلة لترشيحات
جائزة البوكر لعام 2014 .
وقد سبق أن فازت
نفس الرواية بجائزة نجيب محفوظ للأداب عام 2014 ، والمثير للانتباه هو ماورد فى
كلمة لجنة التحكيم لجائزة محفوظ حول الأسباب و الحيثيات التى ساهمت فى فوز الرواية
:" هى سرد لقصة الحب والاستبداد والعبودية والقهر والثورة المهدية في السودان
في القرن التاسع عشر... ما جعلها تجسد المشهد الحالي في المنطقة حيث تعم الفوضى نتيجة
للتطرف الديني " ، مما دفعنى للتساؤل عن نزاهة لجنة التحكيم فى هذا الشأن ،
كما احيت بداخلي التساؤلات القديمة الجديدة التى تثار حول الجوائز والتوظيف
السياسى والايديولوجى لها ، و محاولات استغلال بعض الاعمال والاسماء الروائية
المخضرمة او الشابة ضمن هذا الاطار ، أيضا قد يتم استغلال هذه السطور من نص حكم
لجنة التحكيم من قبل اشخاص كثر لن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الرواية وقرأتها
لاستيعاب ماأراد الروائى "زيادة" أن يعبر عنه من تأويلات و وقراءة جديدة
لفترة تاريخية مهمة من فترات التاريخ السودانى الحديث .
بعيدا عن الرأى
السياسى الفج لقرار لجنة التحكيم بجائزة محفوظ أرى كقارئة وباحثة تاريخية رواية
"شوق الدرويش" تمتعت بمواصفات العمل الروائى المتكامل ، و جاء استعمال
الأحداث التاريخية الممزوجة بمهارة مع حكاية بخيت مع ثيودورا لتقدم لنا السودان
بكل مافيه من ثقافات واثنيات وابطال تاريخيين وموروث صوفى و شعبى دون عناء أو تكلف
، الشىء المزعج فى نسختى من الرواية هو الطباعة الرديئة والتنسيق السىء الذى
اشعرنى ببعض الضياع فى تتبع الحكاية حتى نهايتها ، إذ كنت اضطر لتحديد بداية كل
فصل أو فقرة جديدة ، بالإضافة لوضع علامات حول اسماء الأشخاص و الاماكن والمعارك
كى اقدر على الاستيعاب بشكل أدق .
***
رواية "شوق الدرويش" هى عمل رائع ، وساحر
يستحق القراءة والإشادة بموهبة ومقدرة وامكانيات الروائى الشاب القادم من بلد
العطور والمر والبخور .
^_^
ردحذف