بدأت
ليلة الثلاثين من نوفمبر 2014 قراءة رواية تحمل عنوان (الطنطورية) تروى حكاية رقية
ابنة الطنطورة وهى قرية فلسطينية تقع على الساحل الفلسطيني سقطت في أيدي عصابات
الصهاينة بعد هجوم شرس استمر ليلة 22، 23 مايو 1948 رغم المقاومة الشديدة نجح
الصهاينة فى اجتياح القرية لعدم تكافؤ القوة فسقطت الطنطورة حيث قام الصهاينة
بأرتكاب مذبحة كبيرة .
كانت
رقية احدى بنات القرية هى الشخصية الرئيسية التي تتابع الرواية حكايتها ومصيرها ،
فقد اتخذت الروائية رضوي من رقية وحكاية أهلها وزوجها وأبنائها وأحفادها ، الشخصية
الرئيسية فى العمل الروائي حيث تسرد من خلالها عذابات الفلسطينيين.
لساعات
طويلة كنت اتشارك مع والدتي قراءة مقتطفات مطولة من الرواية بصوت مرتفع ، كنت اعجز
عن ترك (الطنطورية) ، لانني كنت اتجاوز حدود القراءة لعيش تجربة سكان الطنطورة ،
وباقي سكان فلسطين ، وإذ
ان الرواية مستني بشكل عميق فعشت ألم وفقد وعذاب
الفلسطينيين لدرجة لم اشعر بها سابقا ً.
كانت
لغة الرواية سلسة وجميلة ، نجحت رضوي فى مزج الجانب الروائي بالتقارير الرسمية و
التحقيقات الصحفية و الكتابات التاريخية حول الاحتلال الصهيوني ، والمجازر التي ارتُكبت
بحق الفلسطينيين داخل فلسطين او بلبنان ، كما قربت للقارىء العربى تفاصيل وشخصيات
ربما لم يعرفها بشكل كافي ، كالباحث الفلسطينيى أنيس الصايغ وماتعرضت له مكتبة
مركز الأبحاث الفلسطينية من سرقة ونهب وتخريب ، مما دفعتنى للبحث عن مصير هذه
المكتبة بنفس الليلة .
صاحبة
هذه الرواية هى الاكاديمية المصرية "د.رضوى عاشور" هى أستاذة الأدب
الانجليزى بجامعة عين شمس ، و احدى مؤسسات حركة 9 مارس بالجامعات المصرية.
رضوى
متزوجة من الشاعر والمترجم الفسطينى الشهير "مريد البرغوثى" ، ولديهما
ولد وحيد اسمه "تميم" هو استاذ بجامعة جورجتاون ، والابن تميم البرغوثى
، صاحب قريحة شعرية جيدة ، ولديه قصائد جميلة ، ومؤثرة ، واحد تلك القصائد كانت
محرك لنزول اعداد كبيرة من المصريين لمساندة شباب الثورة بعد جمعة الغضب الشهيرة.
وقت
حدوث الثورة كانت رضوى موجودة بواشطنون لاجراء جراحة حساسة وصعبة فى الرأس بسبب
ظهور ورم اتضح فيما بعد انه خبيث وفى مرحلة متقدمة ، عادت لمصر بعد ست شهور من
اسقاط مبارك ، ولم تدعى حتى بعد تماثلها للشفاء ، لم تدعى بأنها صاحبة فضل على
الشباب الثوريين ممن نزلوا ، رغم انها كانت احدى المساندين لحركات الاحتجاجات سواء
على مستوى الجامعات او اضرابات العمال او مساندة اسر الموقوفين والمعتقلين ، رضوى
نفسها كانت من المحسوبين على اليسار المصرى فى السبعينات ، شهدت على هزائم حرب 1967
، والانقلاب الساداتي فى وقتها كانت بامريكا لتحضير الدكتوراه فى الادب الافريقى ،
عادت ليتم اعتقالها بعد فترة ، وبعد ولادتها لابنها تميم الذى بقى مع والدتها ،
بينما ابُعد الزوج الفلسطينى (مريد البرغوثى) للخارج ، كم تشردت هذه الأسرة ، كم
تحملت رضوى ومريد ، وحافظا على زواجهما وحبهما ، واشتهرا بأنها اناس محترمين
وأوفياء لبعض ، رضوى كانت انسانة جادة ، ونشيطة ، فأصدرت أول اعمالها الروائية
منتصف الثمانينات قبل تتابع اعمالها الروائية التى تتناول قضايا المهمشين و التحرر
الوطنى ، قضايا حقيقية وجادة ، تطرح باتزان وموضوعية ، احببت اعمالها الروائية ، عرفت
عن رضوى الانسانة والام والصديقة و الاستاذة من خلال صديقات صغيرات هن بمثابة تلميذاتها
ورفيقاتها ، احببتها ، واحببت دعمها للشباب ...احترمت مواقفها من الانقلاب ، فهى رغم
مشاركتها مع حركة 6 ابريل ، و 9 مارس ، ونادى القضاة ، وحركة كفاية وغيرها فى الاحتجاجات
والاعتصامات ، ومساندة الشباب من سيكونون ثوار 25 يناير ، ولكنها لم تسقط مثلهم فى
تأييد العسكر ، مثلها مثل ابنها تميم وزوجها مريد.
بعد
هذه المقدمة الطويلة نوعا ما ، حول شخصية السيدة رضوى عاشور ، التى كنت أود ان
احدثك عنها وعن اعمالها ، وانصحك بقراءة روايتها (الطنطورية) فى رسالة مطولة اكتبها
لك صباح يوم الاول من ديسمبر يفاجئنى فجرا
ًخبر وفاتها ، لم اتمالك نفسى ، فجلست ابكى طويلاً ، لشعورى بأنى فقدت روح انسانية
جميلة ، ومناضلة حقيقية ، شعرت وكأني خسرت صديقة حميمة .
المحزن
اكثر ان رضوي رحلت بعد ان نُكبت روحها بخبر براءة مبارك ، ياآلهى ياصديقي العزيز ، أنت
حتما ستدرك لما احزن على كاتبة لم التقى بها يوما ً ، ربما يستغرب آخرين ان امارس
ترف الحزن والتفجع على رحيل رضوى فى حين مدينتى تعيش حرب طاحنة تدور فى شوارعها
واحيائها التاريخية، لان رضوى كانت جزء من سنوات الوحدة والصمت وسط مجتمع يركض
كالقطيع تجاه الدكتاتور المعتوه يقدمون له فروض الولاء والطاعة يوم بعد يوم ، كنت
اقرا تصريحاتها واخبار مشاركاتها فى الوقفات والاحتجاجات ، عن صمودها وشجاعتها ،
عن كياستها ولطفها ودعمها لمن اصغر واقل منها علميا ومعرفيا ، فأشعر بمن يؤازرنى ،
ويساندنى ..كنت اجد فيها آلهام ومثال حى للمثقف الحقيقي .
لرحمه
الله يارضوى ويلهم مريد وتميم واحبائك جميل الصبر والسلوان .
3 ديسمبر 2014
--------------
من
رسالة مرسلة قبل عام لصديق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق