الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

فندق رواندا:فيلم يصور فظائع الإبادة الجماعية والتواطىء الغربي..



عدت لمشاهدة فيلم "هوتيل راوندا" من جديد رغم مشاهدتي للفيلم مرات عديدة لم احصها ، و رغم قسوة ودموية القضية المطروحة فى الفيلم أى الإبادة الجماعية فى رواندا ذلك البلد الإفريقي الجبلي الجميل ، الذى علق فى ذاكرتي مطلع التسعينات من تصدره لعناوين الاخبار والنشرات فى القنوات الأجنبية ، او عبر محطات الراديو التي غطت بعضا ً من اخبار المجازر والمذابح على استحياء أول الأمر ، قبل ان تبدأ فى تسليط الضوء على ذلك البلد المنسي.

***
يحكي فيلم " فندق رواندا" قصة حقيقية عن "بول روساساباغينا"، مدير فندق لاي ميل كولين الواقع فى كيغالي عاصمة رواندا، الذى تمكن من أنقاذ حياة أكثر من ألف شخص من الإبادة فى رواندا ، من خلال توفير الحماية والملاذ لهم فى الفندق المملوك لشركة بلجيكية ، عمليات الإبادة تلك التي انطلقت فى شهر أبريل من العام 1994 راح ضحيتها ما بين 800 ألف ومليون شخص من قبائل التوتسي والمعتدلين من قبائل الهوتو واستمرت مائة يوم عقب اسقاط طائرة الرئيس الرواندي "جوفينال هبياريمانا" بصاروخ مجهول المصدر ، وكان الرئيس ينتمي إلى قبائل الهوتو ،  وقد نفذ الابادة المتطرفون الهوتو المعروفين باسم (انتراهاموا) يدعمهم الجيش الرواندي .

على عكس الشائع فى الافلام التي تدور حول مواضيع لها علاقة بافريقيا ، البطل هنا هو رجل افريقي هو "بول روساساباغينا" مدير الفندق الذى ينتمي لقبيلة الهوتو ، متزوج من "تاتيانا" من قبيلة التوتسي ، يعيشان حياة هادئة ، ويتمتع بول بمحبة واحترام مدرائه الاوربيين ، وموظفي الفندق الراونديين ، كما نجح فى اقامة علاقات طيبة حتى مع العسكريين بالجيش الرواندي من الهوتو ، ويحظي بصلات طيبة باعضاء البعثة الاممية و قوات حفظ السلام التي  أتت للبلد مطلع التسعينات كي تلعب دور فى مراقبة السلام الهش ، بعد بداية صراع عسكري بين الهوتو والتوتسي يعود فى جذوره للحقبة الاستعمارية .

بعد بداية عمليات القتل وجد بول نفسه يواجه لوحده مصيره ومصير أسرته وجيرانه ومئات الراونديين المختبئين بالفندق بعد أن تخلى الغرب عن مسؤلياته الأخلاقية والأنسانية تجاه ماجري من اعمال قتل صُنفت بإنها اعمال إبادة جماعية الأفضع فى القرن العشرين .
الفندق الذي وقعت فيه الاحداث الحقيقية
 يظهر "بول روساساباغينا" كشخصية  تتمتع بالذكاء في الفيلم، من خلال الأساليب التي استعملها لتحويل انظار قادة المليشيات و العسكريين الفاسدين عن الموجودين بالفندق، ودفع اللاجئين لطلب المساعدة من اصدقائهم النافذين خارج رواندا ، ودفع صاحب الفندق البلجيكي على تقديم المساعدة .

 تعتبر مشاهدة الفيلم تجربة مؤثرة ومؤلمة ، إذ يتسم بالحدة من بدايته إلى نهايته، ورغم أن الفيلم لم يظهر فيه مشاهد القتل والعنف الدموي باستثناء مشاهد قليل مأخوذ من لقطات تلفزيونية حقيقية .

تحمل الكثير من مشاهد الفيلم دلالات عميقة ، مهمة ، فهناك مشهد حديث بول مع الكندي قائد قوات حفظ السلام وهو يعبر له عن مدي اشمئزازه من قذارة الاوامر التى تلقها بترك الروانديين لوحدهم دون اى تدخل من القوي العظمي او المنظمة الاممية .

كما أن مشهد استماع بول وباقى نزلاء الفندق لنشرات الغربية وهى تبث تصريحات سياسيين غربيين منهم الرئيس الأمريكي " بيل كلينتون" موقفه فى حينها من الابادة في رواندا، فقد اكتفى كلينتون بالتعبير عن قلقه الشديد إزاء ما يجري ، و حديث إذاعي للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية وهي تؤكد على الفرق اللغوي بين "الابادة" و"أعمال الابادة" فى وقت بلغت فيه اعمال القتل الوحشية حدود تفوق التصور ، من المشاهد ذات الدلالة على ازدواجية المعايير الاخلاقية للغرب تجاه افريقيا.

كذلك من المشاهد المؤثرة فى الفيلم عندما ينهار بول بالبكاء بعد عودته من خارج الفندق و لادراكه الحجم المجازر الوحشية و ماخلفته من جثث تملىء الشوارع ، فيقع على الأرض مجهشا بالبكاء لشعوره بالعجز عن وقفها .

كما أن الموسيقي التصويرية المستوحاة من التراث الافريقي اضفت لمسة جميلة ومؤثرة على مشاهد الفيلم وخففت من دموية وقسوة تلك المشاهد، فأصوات كورال الاطفال وهم يؤدون اغنية افريقية تتغني برواندا جميلة افريقيا العذارء ، أثناء ترحيل الأجانب خاصة من اعضاء البعثة الكاثوليكية التي تدير ميتم لاطفال الافارقة تحت انهمار المطر الغزير ، وترك الايتام الروانديين ورائهم من اجمل المشاهد التي تدفع بالمتفرج للبكاء لادراكه لفظاعة المصير الذى ينتظر اولئك الايتام الصغار .
                 


يعرض الفيلم لجذور الإبادة الجماعية التي تعود لزمن الاستعمار الأوربي ، إذ لعب المستعمر الأوربي من الانجليز والألمان و البلجيك فى وضع نظرية لاصل السكان تتلخص فى أن أقلية التوتسي ليسوا من أصول أفريقية، بل جاءوا من دول اخري ، وأن الهوتو هم السكان الاصليين للبلد ، حيث قام البلجيك باحتلال رواندا بعد هزيمة الالمان فى الحرب العالمية الأولى ، ليعملوا على تكريس نظرية وجودين عرقين مختلفين فى البلد ، ومع منتصف الثلاثينات القرن الماضي قامت السلطات الاستعمارية البلجيكية بمسح تضمن اصدار بطاقات هوية تحدد من خلالها الهوية العرقية للمواطن الرواندي وهو الاجراء الذي سهل فيما بعد فى عمليات الإبادة من خلال التعرف على الانتماء من خلال بطاقة الهوية .

كما يسلط الفيلم الضوء على دور الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام  فى عدم إيقاف إعمال القتل والإبادة إلا بقدر ضئيل لايقاف تلك المجازر البشعة ، ولدور الدول الكبري التى ادارت ظهرها لراونديين تاركة اياهم يواجهون مصيرهم الأسود  في عزلة تامة دون تدخل .

و يصور الفيلم دور الاعلام فى نشر الكراهية بين أفراد المجتمع الراوندي من خلال التحريض على قتل الجار لجاره دون الاحساس بأى تأنيب ضمير ، إذ كانت احد محطات الراديو المملوكة لمنظمة (انتراهاموا) للهوتو المتطرفين تبث دعايات حول التوتسي بأنهم  "صراصير تجب إبادتها" وتحفزهم على المشاركة فى اعمال القتل والإبادة بتوجيه الخطاب : "دعونا نفرح أيها الأصدقاء، فالصراصير ليست كثيرة" ، وتصوير التوتسي بأنهم اعداء البلد والوطن ، وهذا ماجعل من القتل يصل لحد من الوحشية التي لايتصور وقوعها فى العصر الحديث . 
الممثل دون شيدل و بول روسيساجينا الحقيقي
قصة الفيلم مأخوذة عن كتاب وضعه "بول روساساباغينا" بعد أن استطاع النجاة مع اسرته وباقي الاجئين ، يعيش بول مع اسرته فى تكساس فى الولايات المتحدة الإمريكية ، ويدير منظمة للاعمال الانسانية فى رواندا، وقد تحصل بول على تكريم منظمات ومؤسسات عديدة لدوره الانساني فى انقاذ الناس إبان الإبادة منها : جائرة الوسام الرئاسي للحرية ، الدكتوراة الفخرية في القانون من جامعة جيلف ، جائزة حقوق الإنسان من مؤسسة توم لانتوس لحقوق الإنسان و العدالة .

***
الفيلم بطولة : دون شيدل، صوفى أوكونيدو ، نيك نولت، خوكين فونيكس،وكارا سايمور وإخراج: تيرى جورج، ، من إنتاج جنوب افريقيا و إيطاليا عام 2004.

نال الفيلم العديد من الجوائز منها : جائزة الفيلم الأوروبي لأفضل مؤلف موسيقي، جائزة ستانلي كريمر، جائزة ستالايت لأفضل ممثل - دراما ، رُشح  دون شيدل لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق