كتاب موسيقى
الحروف..قصة عن بغداد لمؤلفه الأمريكي جيمس رمفورد يقدم صورة مختلفة عن بغداد
وحياة الناس فيها ، خاصة الأطفال وكيف يعيشون أيامهم تحت رعب الحرب ، من خلال حكاية "علي" و هو طفل عراقي يعيش فى بغداد
يحب لعب كرة القدم و الرقص و الموسيقي الشعبية الصاخبة ، و فن الخط العربي الذي
يحتمي به من مآسي الحرب مستلهما ً مثال لمقاومة الحرب بالفن من الخطاط البغدادي الشهير
ياقوت الذى عاصر غزو المغول لبغداد قبل قرون ، "علي" كولد صغير يستعمل
الخط العربى كي يخلق عالم جميل يهرب إليه من عنف الحرب وشراستها ، فيصف مشاعره وهو
ممسك بالقلم راسما ً الحروف على الورق وكأنه يرقص على أنغام الموسيقي الصامتة داخل
رأسه ، وعندما يقع الغزو الامريكي وتبدأ ليالى القصف
ينهمك فى الكتابة ليملئ غرفته بصفحات من الخط العربي تبث فى نفسه شعوراً بالسلام
المفقود ، ولم يتوقف "علي" عن رسم حروف الخط العربي رغم استمرار الحروب
فى بلده .
يقول
"علي" أن كتابة جملة طويلة تشبه مشاهدة لاعب كرة قدم بالحركة البطيئة
وهو يركل الكرة من الملعب حيث يترك وراءه أثرا ً من النقاط والحلقات ، ويعتبر كتابة
بعض الكلمات أسهل من بعضها الآخر فتتشابك الحروف لتُكون أشكالا ً جميلة دون أن
يبذل جهد كبير كأسم شقيقته الصغيرة .
لايتوقف "علي"عن رسم الكلمات
والحروف رغم استمرار الحروب فى بلده ، إذ يقول
"مازلت أكتب كلمات يسيرة وأخري عسيرة ، فكلمة (حرب) تنحدر من قلمي
بسهولة عبر الانحناءات الطويلة الحادة ، بينما كلمة (سلام) تدهشه مقاومتها له
عندما يكتب التعاريج الصعبة والألف المائلة ، تري كم يلزمني من تدريب حتي تنساب
كلمة سلام بحرية من قلمي" .
القصة قصيرة
لكنها جميلة ومدهشة فهي تحمل معاني عميقة نحتاجها فى وقتنا الحاضر ، فقد نجح المؤلف فى
مزج حكاية الطفل "علي" و الخطاط "ياقوت " بأسلوب سلس ومبسط لايخلو من العمق لمن يعيد
القراءة أكثر من مرة ويطيل التأمل فى اللوحات المرسومة على خلفية القصة ، ويمكن
اعتبار الكتاب بحد ذاته تحفة فنية ، فاللوحات آسرة لجمال ألوانها والتصاميم الزهرية
والهندسية والخطوط المتدفقة فيها تبعث على البهجة ، كما أن النص لاينشغل بالسياسة
أنما يركز على رغبة ولد صغير بإيجاد السلام فى حياته الخاصة .
و رغم وجود اشارات حول القصف والغزو الامريكي
ضمن النص أو كرسومات داكنة إلا انها لاتظهر بوضوح على صفحات الكتاب لكنها تبقى فى
الخلفية ملقية بظلالها على حياة العراقيين بما فيهم "علي" .
هذا ونجح رمفورد فى سعيه لتقديم صورة مختلفة عن
العراقيين من خلال أضاف تفاصيل صغيرة ضمن تصاميم كل صفحة بالكتاب تضمنت عملة ورقية
عراقية وبطاقات تعليمية و طوابع بريدية عراقية ، تخلق العديد من الأفكار والمشاعر
حول الفن ، و الثقافة والعائلة ، و البحث عن الجمال وسط الحروب ، و السلام ، و
لمن يقرأ الكتاب من الأطفال أو
الكبار من غير العرب فهو يقدم لهم فن الخط العربي وهو فن ساحر وفريد يعتبر جزءا ً
مهما ً من الثقافة الإسلامية والعربية.
مؤلف وراسم
الكتاب هو جيمس رمفورد كاتب للأطفال ورسام وصانع للكتب ،
واجه صعوبة كبيرة فى نشر هذا الكتاب إذ كان غالبية الناشرين لايرغبون فى تحدي
المناخ السياسى الداعم للحرب فى الولايات المتحدة الإمريكية ، ولم يحصل على فرصة
للنشر إلا فى العام 2008 ، لينال الكتاب جائزة هيئة السلام للكُتاب ، وجائزة جين آدامز
للسلام لأفضل كتاب للأطفال عام 2009 .
****
مترجمة الكتاب هي لبني شكري إعلامية وكاتبة
ومترجمة مصرية تقيم بالولايات المتحدة. حاصلة على درجة الماجستير في الصحافة والإعلام
من الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2009. عملت لسنوات عدة بالإذاعة المصرية مقدمة
ومعدة للبرامج الثقافية بإذاعة صوت العرب. من بين برامجها برنامج (اعترافات أدبية)
الذي نالت عنه شهادة تقدير من لجنة التحكيم بمهرجان الإذاعة والتليفزيون الثامن بالقاهرة
عام 2002، والذي نشرته دار الهلال في كتاب حمل الاسم نفسه عام 2006. من أعمالها الإبداعية
المنشورة للأطفال سلسلة (نور تسأل) عن دار البستاني للنشر والتوزيع عام 2014. كما نشر
لها مدخل بحثي عن المُدَوَنات النسائية المصرية بموسوعة ميديا الحركات الاجتماعية عن
دار ساج الأمريكية عام 2010 ، ترجمة كتاب موسيقي الحروف 2015.
لبني هي صاحبة مدونات "بلادبعيدة" و "كتب نقرأها معا " ومن خلال مدونتها الأخيرة تقدم الكتب التي تتشارك قراءتها مع طفلتها نور ، وتري فى
مشروعها التدويني الجديد فرصة لعرض مايستوقفها
فى سوق الكتب الأمريكية للأطفال واليافعين الذي يبهرها بتنوعه وتميز وعبقرية أفكاره
وجمال وابداع رسومه ، من خلال "كتب نقرأها معا" قدمت مراجعة جميلة حول
النسخة الأنجليزية من الكتاب الذى حمل عنوان Silent Music … A Story of Baghdad فجذبت بها انتباه المؤلف الذى عرض عليها أن تقوم بترجمته للعربية فصدر عن
دار نشر البستاني بالقاهرة فى العام 2015 بعنوان موسيقي الحروف ..قصة عن بغداد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق