يتناول كتاب (الرموز : الفن والأديان والحياة) للفرنسي فيليب سيرنج ،وهو لايتضمن
دراسة تحليلية فلسفية وعلمية للرموز ولكنه يجمع الكثير من الرموز التى تعارفت
عليها البشرية فى مجتمعاتها المختلفة ومقاصدها ، وهى رموز قام المؤلف بجمعها من
بيئات واماكن مختلفة شاهدها ودونها كما هي
بحيث يمكن القول ان هذا الكتاب يصلح مرجعا غنية لمعرفة مضمون كثير من الرموز لدي
مجتمعات كثيرة .
ويقول المؤلف أن الرمزية تلاءمت مع مقتضيات الطبيعة
البشرية التي هي بأمس الحاجة لأساس حسي كي تسمو بنفسها صوب الأفاق العليا وقد ارتبطت
هذه الرمزية في اللغة والكاشفة بان واحد بشكل محكم ودائم بالفن وغالبا ما مارس الفنانون
عبقريتهم في تنفيذ الأعمال الرئيسية التي أوحى لها مضمونها الرمزي مرتبطون بالتقاليد
أوحتى بالكهنة سواء تعلق ذلك بديانات وثنية أم بالديانات المسيحية .
و برأي المؤلف من الصعب تعريف الرمز إذ تختلف تعريفاتها
من عصر لأخر ومن بلد لأخر، و أن يورد بعض التعريفات لها :".. وفي هذا الشأن قال
مارلو : الرمز هوأن الرمز يعبر عما لايمكن التعبير عنة إلا به ، وفي القرون الوسطى
عرفة ايزيدو العقلي /560-636م/بقولة : (الرمز علامة تعطي طريقا للمعرفة) ".
وقد استعمل فرويد وخلفاؤه ومن بعده الرموز لتفسير
الوقائع النفسية ، وأن كان المؤلف يشير فى مقدمة كتابه إلى عدم رجوعه الإ فيما ندر
الى نفسيرات علم النفس ، وذلك بسبب اختلافات وجهات نظرها .
أفاض المؤلف فى الشرح والتوضيح حول الرموز الاكثر أهمية
، بخاصة تلك التى هى ذات فائدة لمعرفة اعمال الفن والديانات ، ويتناول الكتاب
المواضيع التالية : رمزية بشكل متوالى لعالم حيواني ، لعالم بشري، لعالم نباتي ،و
لعالم معدنى ،والكونى ثم رمزية الفن الهندسي ، النحت، والالوان واخيرا رمزية
العالم المجرد.
يدرس سيرنج فى العالم الحيوانى رمزية الحيوانات الارضية
، ورمزية النوع المجنح ، ثم العالم المائي واخيرا الغيلان .
كما يجرى تمييزا ً بين الحيوانات الارضية للحيوانات
الداجنة العليا، او القابلة لتصبح داجنة مثل الثور – والحيوانات العليا المتوحشة
والحيوانات الدنيا كالحية .
أما حول النوع المجنح يدرس سيرنج رمزية البيضة ولن يكتفى
فى العالم المائى بالاسماك ، وايضا ذات الاثداء البحرية كالحوت والدلفين ، القواقع
والمرجانيات والغيلان التى تحيط بعالم الحيوان كالعنقاء والسفنكس وجنية البحر مع
مقاربة مع حيوانات تشاطرها الرمزية ذاتها كالقنطورس و التمساح وغيرها.
ويدرس المؤلف فى رمزية العالم النباتى اولا عالم الاشجار
، فيبدأ بشجرة الحياة ثم اشجار الازهار بخاصة الوردة ، وينتهى برمزية الحبوب
والثمار و نباتات اخرى .
أما عن رمزية العالم المعدنى سيظهر تباعا : الكون بمعنى
المسمى العناصر الاربعة المنشئة للعالم ، نار وماء وارض وهواء والجهات الاصلية
والشمس والقمر والكواكب والنجوم.
كما يتتبع سيرنج رمزية الصليب بسبب علاقاته مع العديد من
مناطق العالم ، ومع الجهات الاصلية خاصة الشمس.
و يتناول رمزية الهندسة المعمارية بسبب تعقيد رمزية
البرج ، الهرم مع الدرج ، الكوخ مع القصر والحديقة مع الباب ، و رمزية الالوان.
يختم الكتاب برمزية العالم المجرد،اسم ، حرف، ارقام ،
وبعض الصور الهندسية.
***
بعض الرموز الوادة فى الكتاب مع تفسيراتها :-
الأفعى :
إذا كانت قضية الحياة والموت والبحث عن الخلود قد لازمت النفس
البشرية بشكل دائم فقد عولجت بشيء من الفلسفة والسحر الشاعري في اسطورة /جلجامش/ التي
هي واحدة من الأعمال في الشرق القديم ,حيث ارتبطت برمزية الثعبان , والقصيدة هي عمل
بابلي ترجع نصوصها المعرفة إلى النصف الأول من الألف الثانية قبل المسيح , إلا أنها
ذات أصل سومري قديم جداً فالجبار جلجامش بطل يجب أن يكون الكتاب الإغريقي قد استوحوا
منه أسطورة /هرقليس/ لأنة قبل ذلك كان قد خنق اسدا وأنجز معجزات مشهودة له خارج البلاد.
الديك :
في الفن المسيحي كان الديك يصور بالقرب من قديس أو يكون هذا
الطائر على سبل المثال معلقا على اسطوانة ذلك هو القديس بطرس الذي حصل انكارة للمسيح
ثلاث مرات قبل صياح الديك.
الحمامة:
الحمامة رمز السلام منذ مشهد سفينة نوح حيث كانت الحمامة
الممسكة بمنقارها غصن الزيتون رسول للسلام وقد تبنى الفن المسيحي في كل أشكاله الحمامة
كصورة للقديس التي تتعلق بتمثيل الثالوث المقدس والبشارة وتعميد السيد المسيح.
ولقد أتاح العهد العربي الإسلامي للفنان الفسيفسائي من بعد
أن ينهج نهجاً جديداُ يتناسب مع روحة وعقيدته وابتكر نهضة جديدة ذات بهاء متميز وبدا
ذلك في قبة الصخرة والجامع الأموي بدمشق.
وكذلك تلك الفسيفساء هي إنجاز فني كبير وإن تأثيرها
بالغ الأهمية أيضاً ، فمهمة هذه الفسيفساء الأولى كانت إشباع الرغبات الدينية والجمالية
الأخلاقية ، واستهواء العرب وغيرهم من المسلمين الجدد وهذا الاقتصار على استعمال الأشكال
النباتية يكشف عن توافق مع الفن الإسلامي ، ومن ثما نحا منحاً سريعا نحو الزوال إذا
كاد الفن أن ينعدم لولا بعض اللوحات الجدارية التي نفذت في المدرسة الظاهرة بدمشق إبان
العهد الملكي.
***
الكتاب
شيق ، استخدم المؤلف أسلوب سلس ، و مختصر ، ومركز ، يظهر مدى مابذله من جهد كبير
فى الجمع والمقارنة و وضع تفسيرات مفيدة ، تساعد الباحثين او المهتمين بهذا النوع
من المواضيع من أجل التوسع فى الابحاث حول الرموز الواردة فى الكتاب .
تصل
عدد صفحات الكتاب إلى 502 صفحة، يحتوى
على مقدمة للمترجم وهو المحامى عبدالهادي
عباس ، بالاضافة لمقدمة المؤلف سيرنج ، وتقديم بقلم العالم الفرنسي رينيه لويس ،
ولا خاتمة، ولا فهارس هجائية للأعلام أو للألفاظ، ولا حتى قائمة للمراجع التى وُضع
لها ارقام كما فى النص الفرنسي دون ان يتم ترجمة الهوامش و تثبيت المراجع والمصادر
التى اعتمد عليها مؤلف الكتاب سيرنج ، وربما عدم تخصص المترجم حال دون ان تستوفى
الترجمة جودتها ودقتها فى موضوع شائك وصعب .
***
مؤلف الكتاب هو استاذ فى كلية الطب فى جامعة باريس ، كرس
نفسه لدراسة الفنون والعلوم الدينية والرمزية ، إذ لم يكن إلا باحث غير متخصص
ولكنه تابع دروس فى جامعة السربون و مؤسسة الفن والآثار ، ومدرسة اللوفر ، كما زار
الكثير من المكتبات والمتاحف ، وأضبح عضو فى الجمعية الوطنية للآثار القديمة
الفرنسية ، وجمعية الدراسات الاوربية الاسيوية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق