الخميس، 3 يوليو 2014

دراجنوف: نقلة كبيرة في الدراما الليبية ..



"... دراجنوف هو محاولة أولى لتوثيق التغيرات التى اعترت المجتمع الليبي ، حاول المخرج وكاتب القصة أن يلامسا جرح لم يبرأ بعد ..."

في بعض الأحيان تتمنى لو تستطيع أن تعيد المرة الأولى أكثر من مرة، لما يصاحبها من شعور مختلف لا يمكن تكراره، أعتقد أن هذا هو حالي بالضبط مع الحلقات الثلاث الأولى  من المسلسل الليبى ( دراجنوف ). فقد اعجبتنى فكرة المسلسل التى تتناول المجتمع الليبى قبيل الثورة وخلال مرحلة الثورة وما بعد سقوط نظام القذافى وتغير كل الاوضاع القديمة فى المجتمع والدولة الليبية، من خلال قصة حب رقيقة تنمو بين احد ابطال المسلسل (عمر الكاسح) المنتمي إلى أسرة لصيقة بنظام القذافي و (منى) وهي فتاة ليبية تدرس بالجامعة  من أسرة بسيطة ، ذلك الحب الذي نتعرف عليه من خلال لقطات سريعة وجميلة دون ابتذال، وفي خط متوازي تقدم الحلقة الاولى والثانية عرض جيد ومركز حول الشخصيات التي ستلعب أدوارها على مسرح الأحداث خلال بقية حلقات المسلسل. الشخصيات التى ظهرت لغاية الآن تعكس تنوع جيد فهناك الأم الليبية الكادحة، مقابلها هناك أم عائلة الكاسح وهي من نساء السلطة التي توضح عبارتها لأبنها الآخر (علاء) عن انتماءها لنفس مدينة القذافي الصحراوية، فهي تعده بأن تنحر 10 جمال فى حالة نجاحه فيهز الأبن رأسه ساخرا من تمسكها بهذه الثقافة التى عرفناها من خلال صعود القذافى للسلطة ومثابرته واصراره على ابقاء المجتمع الليبى ضمن طابع البداوة رغم ماقطع الليبيين من مراحل تحديث وتطوير لاساليب حياتهم فى مرحلة ماقبل الانقلاب.


بالاضافة الى وجود شخصيات نسائية تعكس ماكان يجري في المجتمع الليبي من فساد وانحلال اخلاقي ، فالطالبة الجامعية الآخرى التي تؤدي دورها (غزلان منير) ابنة الأمين صاحبة الشخصية الفاسدة والمتغطرسة المتربصة بقصة الحب التي تجمع عمر ومنى هي نموذج كنا نراه فى مجتمع الجامعة ، بالاضافة الى نجلاء اخت منى السكرتيرة بشركة ضمن القطاع الخاص من خلال ظهورها الأول على الشاشة ،  يمكن ان نتلمس ملامح هذه الشخصية النسائية التي تعكس نموذج عن شره وانحراف لفتيات من أسر بسيطة نتيجة للفقر و الحاجة .


جاء تصميم مقدمة المسلسل بشكل عصري وجذاب ، وأما نهاية المسلسل من ناحية ترتيب اسماء طاقم العمل والموسيقى التصويرية المصاحبة لها فكانت ممتازة تضاهي تصاميم الافلام والمسلسلات الغربية الاحترافية .
 

كان اختيار (محمد عثمان)  فى دور (على الكاسح ) موفق جدا فهذا الممثل يقوم بتطوير نفسه عمل بعد أخر ، وناسبه جدا دور قائد كتيبة امنية ينتمي لنفس اصول القذافي ، فقط شاب مشهد استعراض الجنود فى أثناء دخوله مقر الكتيبة نوع من المبالغة المفرطة فى اظهار حدة شخصية هذا الضابط ، كما أن (واصف الخويلدي) المؤدي لدور الاخ الاصغر (علاء الكاسح) كان احد مفاجأت المسلسل السارة من ناحية توفر ممثلين ليبيين لديهم القدرة على الأداء العميق لمشاهد تعكس شخصيات مضطربة وعنيفة دون ان يكون بالصراخ او الانفعال الهستيري كما كنا نشاهد لدى الكثير من الممثلين المحليين فى السابق ، أيضا الأداء الجميل و الهادىء  للممثل المؤدي لدور عمر الكاسح ، و بساطته وعدم تكلفه أثناء ادائه للمشاهد العاطفية .


من ناحية تصوير الحلقات الثلاث الأولى اعجبتني الزوايا والمشاهد واللقطات القريبة و البعيدة ووضوح الصورة ونقاء الصوت، هنا يظهر فارق كبير عما كنا نشاهده سابقا ً من مسلسلات محلية مما دفعني للبحث عن مدير التصوير لمعرفة إن كان ليبي او عربي ، أيضا التصوير فى اماكن حقيقية ومفتوحة من الأشياء الجيدة المحسوبة لفريق العمل. ولكن مشهد الزنزانة لم يبدو مقنع كفاية ، فهل من المعقول ان سلطات النظام السابق لم تلقي بالقبض إلا على خمس كما ورد على لسان آمر الكتيبة علي الكاسح ! فما اذكره جيدا أن العدد كان أكثر بكثير منذ نهاية يناير 2011 ، ربما كان من الأفضل ان تكون الزنزانة ضمن سجن حقيقي ، ومكتظة بالاجساد المرهقة ، بالاضافة للمبالغة فى إظهار كمية الدم على حوائط الزنزانة فلو تصورنا أى انسان ينزف هذه الكمية فى 3 أيام لن يبقى على قيد الحياة يوم آخر.


اغنية المسلسل جميلة من ناحية الكلمات واللحن واداء المطربة جيد ، وإنما غير متجانسة مع الموسيقى التصويرية للمسلسل ، ومع مضموت العمل الدرامي المليء بالاحداث الدرامية العنيفة والمتسارعة  لو تم اختيار صوت اقوى لربما افضل كي يبقى فى ذاكرة المشاهد. ففي السنوات الأخيرة اصبحت مقدمة المسلسلات تدخل ضمن التنافس واجتذاب المشاهد عبر عرضها فى اعلانات ترويجية حول العمل فتساهم في الدعاية وجذب انتباه المشاهدين .

استعمال ملخص للحلقات السابقة بداية كل حلقة جديدة من الأفكار الجيدة المستخدمة فى المسلسل .


كانت فكرة ظهور خميس الكاسح كشبح يتحاور معه الابن (علي) ومن خلالها نتعرف على عمق العلاقة بين اسرة الكاسح ونظام القذافي بل والقذافي نفسه ، واختيار الممثل التونسي الكبير هشام رستم لأداء هذا الدور اختيار موفق جدا .


من الأشياء المزعجة هو الأداء الحاد للممثلة التونسية (هناء الفهري) التى تؤدي دور (عبير) ابنة عائلة الكاسح، إذ تبالغ فى إظهار ردة فعلها الغاضبة من خلال ملامح وجهها وجسدها المتشنج، مشهد المكتب لم يكن موفق كثيرا ، بالاضافة لمشهد لقائها بلاعب كرة القدم على الطريق بدى وكأنه استنساخ لمشهد من فيلم غربي ، بالاضافة الى وجود خطأ فى ظهور الفتاة المتربصة بقصة حب منى وعمر فى خلفية مشهد يتذكره عمر على خلفية اغنية لفيروز محادثة مع حبيبته (منى) ، فالمشهد هو ضمن ذاكرة عمر التي لاتعي وجود من يتربص بهما أي هو ومنى ، وخاصة ان الفتاة لايكون ظهورها صامت ، انما برفقة صديقة وتتكلمان فى السيارة حول منى ثم عمر.


لم يكن حديث الممثلات (هناء الفهري بدور عبير) و (سهير بن عمارة بدور منى ) باللهجة الليبية متقنة ، فبدى كلامهن ثقيل ،يتعثرن في نطق بعض الكلمات و يتباطىء الحوار فى بعض المواضع، بالاضافة لافتقاد الممثلين للحيوية المطلوبة فى بعض المشاهد ، فشاب ادائهم نوع من البرود والتخشب ، وهذا لنقص الخبرة والدراسة والتدريب ، ربما يتم تداركه مستقبلا.

تنكر الشباب المتلزمين و شيخ الجامع لم يكن متقن كثيرا فظهرت لحيهم المصطنعة واضحة جدا ، والمتبع الآن في التنكر فى الاعمال الكبيرة إذ تطلب الأمر اطلاق لحية ان يقوم بذلك الممثلين أثناء الاستعداد للعمل .


مشهد المطاردة الأولى فى الحلقة الأولى كان بطيء الى جد كبير والمطاردة لم تكن تحمل أي طابع تشويقي ، ملابس الجنود والضباط فى الكتيبة ظهرت وكأنها جديدة ، وكان الأدق ان تظهر مدعوكة قليلا او يظهر عليها آثار الاستعمال السابق .


اخراج الحلقات الثلاث الأولى جيدة جدا كما اعتدت من اسامة رزق كمخرج ليبي لديه امكانيات كبيرة ولديه رؤيته و مشروعه الاخراجي المتميز وسط جيل الشباب الليبي او حتى ضمن تاريخ الدراما الليبية ، كم أن شريكه سراج هويدي قدم حوار و سيناريو مكتوبان بطريقة احترافية عالية ، رغم ماشاب المونتاج من بطء فى بعض المشاهد .


دراجنوف هو محاولة أولى لتوثيق التغيرات التى اعترت المجتمع الليبي ، حاول المخرج وكاتب القصة أن يلامسا جرح لم يبرأ بعد ، فالثورة جاءت لا لتسقط النظام فقط ، إنما لتعرية كل ماكان يجري فى الخفاء من جرائم وانحرافات من كل الانواع ، ودراجنوف جاء ليضع أمامنا ماكنا نحاول ان نهرب منه خلال المراحل الماضية ، هي محاولة شجاعة جدا لمساعدتنا على رؤية امراض وعلل و مشاكل المجتمع  الليبي.


تابعت خلال الفترات الماضية ما أُثير من ضجة حول المسلسل لظهور فتاة ليبية تضع رجليها على طاولة مكتب وتقوم بالتدخين ، بالاضافة لتضمن برومو المسلسل للقطات سريعة لمنى وعمر وهما يتبادلان كلمات حب عفيفة ، هذه الضجة في جزء منها محاولة بائسة من التهرب من مواجهة المشاكل و الظواهر السيئة في مجتمعنا، محاولة إنكار بائسة، كما أنها محاولة فاشلة للطعن في المسلسل من أطراف يسيء إليها أن يطلع عموم المجتمع على صورة من صور الفساد الكبير الذي كان يعتري النظام السابق. فمن المؤكد أن شاهد الليبيون وسمعوا اكثر منها سوءاً في المسلسلات التركية او العربية. مواجهة الأمراض و الظواهر السلبية في المجتمع هي الطريق لمعالجتها إن كنا نريد إعادة بناء المجتمع على أسس صحيحة. 


في هذا الإطار أرى أن مسلسل دراجنوف المحاولة الجادة الأولى لبناء دراما ليبية تساهم فى تسليط الضوء على مشاكل وازمات هذا المجتمع ، بالإضافة إلى أنه نقلة كبيرة في الدراما الليبية كعمل فني.


شكرا لمؤسسة العين لإنتاجها هذا العمل الفني و شكرا لفريق المسلسل مع تمنياتي لهم لمزيد من التألق و النجاح.

لمن يرغب فى تحميل الحلقات المعروضة او معرفة المزيد عن المسلسل ألقاء نظرة هنا: https://www.facebook.com/Dragunov.ly


هناك 12 تعليقًا:

  1. من أكثر الكتابات عقلانية وحياد قرأتها منذ بدأ عرض المسلسل .أحسنتِ إيناس

    ردحذف
  2. شكراا سارة للقراءة والمتابعة الدائمة ..لك تقديرى ومحبتى

    ردحذف
  3. نقد رائع و بنّاء ، به دراسة كاملة و حيادية و إفادة لكلا من الكاتب و المخرج و فريق العمل لتفادي الأخطاء و أن يطوروا من أنفسهم في العمل القادم ،، موفقين ان شاء الله

    ردحذف
  4. نقد عقلاني و لكن برأيي ان واصف الخويلدي ( علاء الكاسح ) هو ايضا لديه مبالغة في تعابير وجهه .

    ردحذف
  5. لا اشاهد التلفزيون فى شهر رمضان عادة ولكن الضجة المثارة حول المسلسل دفعتنى لمشاهد الحلقات الاولى الاربع لكى اكون رأى مبدئى حوله ، و سأقوم بمشاهدته كاملا بعد نهاية الشهر الفضيل كى اكتب حوله رأى متكامل ..شكرا لكاخى الكريم مرورك وتعليقك ..كل عام وأنت بخير ..

    ردحذف
  6. اخى الكريم Mohammed Almahjoby اشكر لك مرورك وتعليقك بموضوعية حول ماكتبت عن مشاهدتى للحلقات الاولى من المسلسل ، اعتقد انها بداية لانطلاقة جيدة للدراما الليبية ، وكم اتمنى ان يكون النقد او ابداء الملاحظات حول المنتوج الدرامى خلال شهر رمضان او مايعرض على شاشات القنوات الليبية ان يتسم بالموضوعية والابتعاد عن الحدة وان يساهم فى تحسين وتطوير مايعرض سواء مسلسلات او برامج

    ..رمضان كريم وكل عام وانت بخير ..

    ردحذف
  7. المسلسل مليء بالأخطاء اللتي كان من السهل تفاديها لو راعى صانعوه الدقة ولكن يبدو أنهم ينفذون مادرسوه نظريا أو يحاولون التقليد دون موهبة حقيقية ( هواتف وسيارات حديثة 2014، أداء ركيك ومبالغة في حركات الوجه من معظم الممثلين، عندما يلتقي ممثلين تونسيين اشعر بأنني اتابع مسلسل تونسي ليس بمخارج الحروف فقط ولكن حتى بكلمات لانستعملها ابدا) كل هذه الاخطاء كان يمكن تلافيها بمساعد مخرج جيد وتجارب اداء صارمة وبروفات حقيقية وإعادة تصوير المشهد عدة مرات وغيرها من المحاولات الجادة للإتقان في العمل

    ردحذف
  8. الرسائل التى تمرر من خلال هذا المسلسل رسائل وضيعه تمثل شريحة كانت ملاصقة للنظام السابق ولكنا نعرف من يحيط به... ولكن من الكارثة ان تعمم على كل المجتمع ارفض هذه الصورة السطحية المقيته التى يشوهون بها المراة الليبية ...الوضيعات لايمثلن الا انفسهن وهن عار على كل ليبية حرة شريفة
    ليست هكذا الدراما ياسادة

    ردحذف
  9. شكرا أستاذة إيناس على هذا التقييم المنهجي للمسلسل، و ننتظر من حضرتك تقييم أكمل عندما تنتهي من مشاهدة كل حلقات المسلسل. أتفق معك تماما بأن المسلسل يمثل نقلة نوعية في الإنتاج المرئي الليبي، و بالنسبة لي أهميته تكمن في أنه تذكير بحقيقة صورة النظام الديكتاتوري السابق، جزء من الصورة و ليس كلها فالصورة الكاملة لن يستطيع عمل فني واحد أن ينقلها.

    و توقيت لمسلسل مهم، لأنه بعد مضي ثلاثة سنوات على سقوط النظام الفاسد، و طوال تلك الفترة لم يتم توثيق أو نقل أي قصة من قصص الظلم و الفساد لذلك النظام، و تزامن ذلك مع الفشل الذريع و الفساد المستشري و الإنتهاكات و الفوضى في المرحلة الإنتقالية بدأت أصوات "تترحم على أيام النظام الهالك". و لذا فتوقيت المسلسل مهم لأنه يبين للبعض جزء من حقيقة النظام "الذي يحنون إليه".

    شكرا على النقد البناء و شكرا لكل من ساهم في هذا العمل الفني مع تمنياتي لهم بالتوفيق في مشاريعهم المستقبلية.

    أحمد القصير

    ردحذف
  10. بصراحه مسلسل حلو

    ردحذف
  11. حلو مسلسل مش عادي

    ردحذف
  12. مسلسل رائع صرااحة انا بتابعه الان والاحلى ظهور ممثلي نوانسة فيه حفظ الله ليبيا

    ردحذف