الاثنين، 7 يوليو 2014

علي حدوث العبيدي: الإنتماء في سير الشهداء...



"لم يكن حدوث قصة نادرة في تاريخ النضال الليبى ، فهو سار على درب الأجداد ، فهناك الشهيد عوض العقاب الغيثى الذى شارك فى العديد من المعارك فى الجبل الأخضر والقرضابية ومصراته والجغبوب والكفرة ،

لاشك أن الدافع وراء مشاركتهم القتال فى أكثر من مكان على تراب هذا الوطن هو ايمانهم بوحدة هذا الوطن ، وماغُرس فى وجدانهم من قيم سامية ونبيلة من التضحية والايثار من أجل حماية الأرض والعرض.."



السادس من يوليو هى الذكرى الثالثة لاستشهاد (على عطية الله حدوث العبيدى) في جبهة مصراتة إثناء معركة سوق الثلاثاء على مشارف مدينة زليتن.كم نحتاج للتأمل بعمق فى حكاية هذا الشهيد الشجاع والوطني فى هذه الأوقات ، إذ أصبحنا نعيش أوقات غريبة مضطربة تدور فيها مناقشات حامية تُبنى حول اقاويل واشاعات واخبار غير دقيقة فى معظمها ، وكلما اشتدت تلك المناقشات بين الافراد و الجماعات بالمجتمع سواء فى العالم الواقعي او الافتراضي تفرز افكار مشوهة ، وبناء ً عليها تُشن حملات تنضح بالكراهية والدعوة لتمزيق جسد الوطن المثخن بالجراح العميقة .


***

 "ليبيا دونها تاريخ و مجد...ليبيا دونها تاريخ أجدادنا الشرفاء ..لم ننحنى ولن ننحنى بإذن اللهنحنا مش جرذان ... نحنا رجال لنا تاريخ ولنا مجد و تاريخ مسطر بالدم...نحن نمشى على شفرات السيوف ونأتى المنية من ابوابها.. لن نخسر هذه المعركة ...لن نخسرها أبدأ" .كانت هذه الكلمات جزء من حديث للشهيد على حدوث مسجل فى فيديو بعد وصوله لمدينة مصراته ، و تم نشرو تداول الفيديوعبر اليوتيوب الكثير من المرات ، إذ اصبحت كلمة هذا الرجل الشجاع من الكلمات المؤثرة والعميقة فى تاريخ الثورة .



ولد الشهيد بمدينة طبرق حيث تلقى تعليمه الأولي في مدارسها، ثم أكمل دراسته في كلية الطيران الحربي بيوغسلافيا سنة 1972، ليتدرج بعدها في الرتب العسكرية بقاعدة بنيننا الجوية في بنغازي، ثم وجد نفسه في حروب القذافي و مناوشاته مع مصر و تشاد وشارك في مواجهات عام 1986 ضد الولايات المتحدة فوق خليج سرت .



عندما هبت على المنطقة رياح التغيير والثورة فى تونس ومصر ، بدأ علي حدوث يترقب الاوضاع ويتحين فرصة اندلاع ثورة في بلاده القابعة تحت حكم القذافى . يذكر اخاه محمد حدوث أن الشهيد علي كان على علم بخروج مظاهرات يوم 17 فبراير فقام بتغيير محل إقامته من بهو الضباط إلى مقر قرب البوابة الرئيسية بقاعدة معيتيقة ، ويقول بإن اخاه قد تعرض لضغوطات وتهديدات كما حدث مع الكثير من كبار الضباط بالجيش الليبى المتواجدين بطرابلس او بمدن أخرى تحت قبضة النظام ، فقرر علي حدوث يغادر القاعدة الجوية ويذهب إلى الزنتان ولكن الظروف حالت دون ان ينفذ نيته وقرر التوجه إلى مصراته ، فقام برحلته مشيا على الاقدام لمدة 15 يوما ، في ظروف صعبة في شهر مارس من عام 2011 ، ليصل الى مدينة مصراته ويستقر بها ، رافضا ً مغادرتها والعودة لعائلته الصغيرة بمدينة بنغازى عبر البحر ، إذ اتخذ قراره بالبقاء للمشاركة فى الدفاع عن مصراته من اجتياح كتائب القذافى .



قرر الشهيد بوحدوث ان يشارك في القتال فشكل كتيبة من شباب مصراته الذين اعتبروه أبا وقائدا ً ملهما ، وهو عاملهم كأولاده ، وكان يقاتل معهم في الخط الأول للمواجهات الدامية ، ويذكر بعض من قاتل الى جانبه بإنه اوصاهم " اذا نفذت الذخيرة لاتولوا الادبار كبروا واضربوهم بالحجارة " ، وقد اُصيب ثلاث مرات وبعد كل اصابة يتماثل منها للشفاء يعود لحمل سلاحه مشاركا ًفي القتال من جديد ، رافضا ً المغادرة إلى أي مكان . ويقول اخاه ادريس عندما زاره بمصراته بعد تعرضه للاصابة  " رأيت العميد في جبهات قتال الدافنية ونعيمة حافي القدمين في حالة يرثى لها، حيث اندمج بكل عواطفه مع الثورة والثوار" ، ويشيد زملاء الشهيد من ضباط الجيش الليبى بسيرته العطرة كرجل شريف عفيف ،لم تحسب عليه أي إدانة أو رشوة.



يوم 6-7-2011 أستشهد هذا القائد المقدام مقبلا غير مدبرعن عمر يناهز 61 عام ،أستشهد وهو يقاتل قوى الشر والطغيان فكان رمزاً للشجاعة والتضحية في سبيل عزة الوطن ، ووري الشهيد الثرى بمقبرة الولي أحمد الزروق في ضواحي مصراتة، ولم يتم إطلاق الرصاص أثناء تشييع جثمانه كما جرت العادة امتثالا لوصيته ، وقد إفتقده كل من عرفه وكل من شاهد مقطع الفيديو الحماسي الذي أعلن فيه إنشقاقه، وكانت كلمته الشهيرة من المقاطع المتداولة بكثرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وفي اجهزة الهواتف المحمولة بين الليبيين من مدن وقبائل مختلفة .

***



وقد نعاه الصحفي الإيطالي الشهير "جوفاني دفتنيتي" في اول مقالة له في سلسة مذكراته الشخصية التي نشرتها جريدة "لاستامبا" الإيطالية :



"وداعا يا جنرال الدافنية ..



منذ وصولنا الى مدينة مصراتة قررنا التوجه الى جبهة القتال في الدافنية ، كنا اربعة اشخاص واقفين امام فندق ( قوز التيك ) في يوم حار من أيام مصراتة الثائرة، ننتظر سيارة لتقلنا الى الجبهة، فمرت سيارة نقل بجانبنا و طلبنا من سائقها ان يأخذنا الى الدافنية، و لبى طلبنا بالكرم الليبي المعهود.



عند وصولنا الي الدافنية انتظرنا قليلا للقاء آمر الثوار في المنطقة، و عند الأنتظار، حكي لنا أحد الثوار قصة هذا البطل، اسمه علي حدوث العبيدي رجل في ال 61 من العمر، عميد سابق في السلاح الجوي الليبي في طرابلس، عند بداية الثوره طُلب من العميد ان يقصف مدينة بنغازي لكنه رفض ذلك و استطاع مغادره طرابلس سيرا علي الاقدام الي مصراته رافضا الاوامر التي كان ستؤدي الي مجزره لقتل المئات من الابرياء ، راحلا سيرا علي الأقدام ، متخفيا عن أعين الاعداء متكبدا عناء الجوع والعطش والمشقة .



و وصل السيد العبيدي الينا، رحب بنا ببشاشة، ثم اعطانا توجيهات عامة بخصوص التحرك في الجبهة بعد ذلك اصطحبنا الي معسكر للثوار و عرفنا علي رجاله. كان ذلك لقائي الأول بهذا الرجل العظيم، تلته عدة لقاءات طوال فترة تواجدي بمصراتة، كان خلالها يعاملني بنبل الفرسان و كان دائما يحب ان يقاسمنا طعامه كأننا نعرف بعضنا منذ فترة طويلة . و في احدى المرات اصطحبني معه الي مشارف زليتن ، كان هذا الرجل يعرف ماذا يفعل من كافة النواحي القتالية و الأحتياطات الامنية ، في اخر يوم رأيته فيه قال لي سوف نتقابل قريبا يا جوفاني قريبا إن شاء الله ،ويومالسادس من يوليو كنت بالقرب من مستشفي الدافنية حيث كان القتال شديد هناك ، تعرفت علي بعض وجوه الرجال وكانوا كلهم يبكون ،فذهبت اليهم وسألتهم عن اسباب بكائهم قالوا لي ان (علي حدوث ) قد استشهد، صدمت، بل صعقت لما قالوه لي .



رأيت الجثمان هناك ولم اصدق او لم ارد التصديق انه السيد علي نزلت من عيوني الدموع بشكل لم اعهده من قبل على فقدان رجلٍ تعلقت به، حضرت جنازته و شاركت في مراسم دفن جثمان البطل، اكثر شي اثار اعجابي في هذا الرجل شجاعته الأسطورية و موقفه البطولي من ثورة شعبه، لن انسى استقباله لي وكأننا اصدقاء طفولة، وسأتذكره كأنني أعرفه منذ زمن طويل كصديق قديم ، كم تمنيت ان نلتقي مجددا كما قال لي ، رمقت جثامنه بنظرة أخيرة و قلت له " وداعا يا جنرال الدافنية".


عوض العقاب الغيثى
 اعتقد كلمته الشهيرة "ليبيا دونها تاريخ و مجد...ليبيا دونها تاريخ أجدادنا الشرفاء ..لم ننحنى ولن ننحنى بإذن الله" جاءت استلهاما لتاريخ عائلى يخص الشهيد فوالده هو الراحل (عطية الله حدوث العبيدي) كانت أسرته قد حُشرت بمعتقل العقيلة ككثير من العائلات الليبية التى حُشرت بتلك المعتقلات السيئة الصيت في العهد الإيطالى ، ثم جُند الأب (عطية الله حدوث) في الجيش الإيطالي للمشاركة بالقتال في الحبشة التى عاد منها ليلتحق فيما بعد بالجيش السنوسي لتحرير ليبيا في الحرب العالمية الثانية .



لم يكن حدوث الإبن او الأب قصص نادرة في التاريخ الليبى ، فهما سارا على درب الأجداد ممن ناضلوا ضد أي غاصب ظالم او محتل ، فهناك مجاهد ينتمى لقبيلة العبيدات هو الشهيد ( عوض العقاب الغيثى ) الذي شارك في العديد من المعارك في اكثر من مكان من هذا الوطن فمن القتال بربوع الجبل الأخضر إلى القرضابيةومعاركبمصراته وإلى الجغبوب والكفرة وقدإشتهر في المنطقة الغربية والمعاراك التى شارك فيها "بالعبيدي" نسبة لقبيلته التي ينتمي إليها، وقد استشهد أثناء قتاله بمعركة الحوار فيأوائل شهر مايو عام 1931. لاشك أن الدافع وراء مشاركة الشهيد المجاهد (عوض العقاب الغيثى ) في القتال في أكثر من مكان على تراب هذا الوطن هو ايمانه بوحدة هذا الوطن ، وماغُرس في وجدانه من قيم سامية ونبيلة من التضحية والايثار من أجل حماية الأرض والعرض .



حكاية هذا الفارس الشجاع تجعلني اتلمس فكرة أن الانتماء للوطن عقيدة راسخة في أرواح وعقول اجدادنا، وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس كقِيم ومبادئ ، وتضحية وإيثار، والتزام أخلاقي للفرد والأمة ككل،و من قيم الانتماء والولاء للوطن، العمل على إبراز الحفاظ على الوحدة الوطنية فمايجمع أبناء هذا الوطن أكثر بكثير ممايتصور الغالبية ممن يغفلون عن هذه الجوانب ، وأعتقد أننا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ وطننا نحتاج لنقاش على مستوى واسع ، يقوده أناس تملك حس عالي بالمسئولية والوطنية والالتزام بالقيم الانسانية من أجل أثارة نقاش معمق حول مفهوم الوطنية المغُيبة خلال العقود الاربع الماضية بتأثير سياسات قادها النظام السابق في محاولة لمسخ روح الوطن في الوجدان الليبي .


  

هناك تعليق واحد: