الاثنين، 9 يونيو 2014

سمراويت ورحلة البحث عن الانتماء والهوية ..

تدور أحداث رواية (سمراويت) للكاتب والروائى الارتيرى( حجى جابر) بين أحياء وحوارى مدينة جدة الواقعة على الساحل الشرقى للبحر الاحمر ، ومدينة اسمرا عاصمة ارتيريا الموطن الاصلى للروائى الشاب حجى جابر، ويتناول عبر احداث الرواية قضية الانتماء والهوية لشاب عاش بين ثقافتين ، فبطل الرواية عمر يعود الى ارتيريا فى رحلة البحث عن الجذور والانتماء وعن الذكريات والامكنة والاشخاص الذين عاشوا طويلا فى ذاكرة عائلته المهاجرة قسرا بسبب حرب التحرير الارتيرية للتخلص من الاستعمار الاثيوبى ، فى أسمرا يلتقى ببطلته سمراويت التى اعطت للرواية اسمها ضمن لقاء تم بمقهى مودرنا بحى كمشتاتو حيث تتناثر بقايا مبانى الحقبة الاستعمارية الايطالية .

يعرض لنا حجى على لسانه بطله عمر جوانب كثيرة من حياة وعادات وملامح الشعب الارتيرى ، وعلى الكثير من الشخصيات الادبية والفنية والسياسية والتاريخية التى لعبت ادوار هامة فى مرحلة حرب التحرير، فهو يعرفنا على الجَبَنة أى الاسلوب المحلى لاعداد القهوة فى ارتيريا ،فيجعلنا نتشوق لتذوق القهوة التى تعدها جدته المحافظة على تقاليد وعادات كثيرة ، وعلى طبق الزقنى الطبق الارتيرى الشهير .

كما يتناول جوانب من حياة وافكار الشباب الارتيرى المقيمين فى مدينة جدة من خلال الاندية والتجمعات الخاصة بهم ، حيث يقدم لنا نماذج من تيارات وخلفيات متنوعة فأحمد هو عضو فى حزب الدولة الحاكم لهذا فهو يتكلم باسم الحزب ولايرى غير مايراه حزبه ، فى حين محمود المجاز فى القانون من جامعة القاهرة يحمل افكار مختلفة عن العدالة الاجتماعية وعن الحريات العامة و الشخصية المفقودة فى الوطن الام وفى بلاد مهجرهم السعودية فالقنصلية الارتيرية بجدة تعكس جزء من النظام الفاسد فى الوطن الام من خلال موظفيها واجراءاتها المعقدة المستنزفة لاموال المواطن الارتيرى الكادح البسيط ، و لاينسى حجى ان يمر على قضية الهجرة الغير شرعية لشباب ارتيريين عبر الحدود السودانية عبورا ً الى السعودية أوباقى بلاد المهجر من خلال استغلال عصابات التهريب لاولئك الشباب فيقدم لنا قصة محجوب المبتورة ، كما يستعرض حجى محطات تاريخية لارتيريا منذ وصول الصحابة مهاجرين الى ارض الحبشة حيث تحط بهم السفينة على شاطىء مصوع ، و مرورا بمراحل الثورة الارتيرية وماتلاها من اقامة نظام غير ديمقراطى تتركز السلطات فى يد الرئيس فقط ، كما ركز فى بعض فقرات وحوارات الشخصيات على قضية العصبية القبلية والعرقية و الدينية حيث يوضح لنا حجى بوجود من يعترض على وجود مسحيين ارتيريين ضمن بلد نصف سكانه مسلمين تعرضوا للتعريب منذ الهجرة الاولى للصحابة ، كما يستعرض مواقف و من جوانب من عنصرية وازدواجية فى التفكير والتصرف لدى المجتمع السعودى ، واعتقد بأن الروائى لم يقصد أن يجعل هذا الامر قاصرا على مجتمع بعينه ، بل ويشير لخلل فى عقلية المجتمعات التى لاتزال تتمسك بالقبلية والجهوية والمناطقية كما اكتشف هو فى وطنه الام .

لعل اكبر مفاجات الرواية بالنسبة إلى هو اشارة الروائى للاصول الحبشية للشاعر الروسى الكبير بوشكين حيث ينتصب تمثال للشاعر فى وسط العاصمة اسمرا اقامه الروس، وبحسب الويكيبيديا فوالدة بوشكين هى ابنة ضابط حبشى مقرب من القيصر بطرس الاول .

لقد استمعت باأسلوب حجى فى سرد الاحداث بسلاسة دون تعقيد فى الحبكة السردية ، مستعملا ً لغة جميلة دون تكلف او استعراض للعضلات ، فجاء استعراضه للمعلومات حول وطنه الام (اريتريا) فى اسلوب شيق غير ممل او يثقل على النص السردى ، كما أجاد حجى عرض ثنائية المكان ببراعة ، فلا تشعر بالتشتت او بالملل وهو ينقلك بين أحياء جداوية أومدن اريترية ، فلا تفقد قدرتك على التركيز والفهم لما يقوله ، ومع الرجوع للقاءات اجرائها حجى فى الصفح بعد فوزه ومن البحث عن معلومات عن حياته وسيرته يمكن اعتبار الرواية بمثابة سيرة روائية للكاتب والروائى الشاب حجى جابر حيث لم ينكر وجود تشابه بينه وبين بطله عمر.

وجدت شخصية سمراويت ناقصه وباهتة ، وقصة الحب التى جمعت الاثنين لم تكن مقنعة كثيرة بالنسبة إلى ، كما أن الحوار الاخير بينهما جاء بدون اى عمق او مذاق مميز كما فى الاعمال الروائية الكبرى التى يمتاز اصحابها بالتمكن من رسم المشاهد الروائية الهامة ، توقعت نهاية قصة الحب بعد اشارة الروائى الى مرض والدة سمراويت بمرض القلب ، فالابنة ذكرت لعمر أثناء تقديمه لوالدتها بأنها حريصة على ألا تثير غضبها لكى ، لم تعجبنى شخصية البطلة او الشخصية النسائية الرئيسية سمراويت ، شعرت بأنها تعانى من ازدواجية فى شخصيتها فهى تذهب فى علاقتها بعمر الى العمق ، ولكنها تنسحب امام رفض والدتها رغم ان حجى قدمها فى بدايات الرواية باعتبارها فتاة متمردة وغير تقليدية .....بالنسبة الى احببت شخصية جدة عمر كعادة شخصيات الجدات الحنونات الدافئات الحارسات للتقاليد ، واعجبتنى شخصية والدة عمر فقد بدت اقرب لفهمى من خلال التحولات التى مرت بها شخصية الام فقد انتقلت من مجتمع مفتوح الى اخر منغلق ومعه مرت بتحولات فكرية ومعيشية تركت تأثيرها عليها .
 

فى أثناء قراءتى للرواية استرجعت ذاكرتى تفاصيل احداث تاريخية تربط بين ارتيريا ووطنى ليبيا فاإيطاليا احتلت كلا البلدين وتركت فيهما ارث معمارى جميل ، كما أن ايطاليا فى فترة احتلالها لوطنى ارسلت مجموعة كبيرة من الشباب الليبيين كمجندين قسريين تم خطفهم من بيوتهم ومدنهم الى مصوع لاحتلالها وقتال الامراء الارتريين الذين حاولوا الوقوف ضد الاحتلال البشع ، واستغلت ايطاليا الاحباش بارسالهم الى ليبيا للقتال فى الثلاثينات ضد المجاهدين فى الجبل الاخضر حيث كانت توجد فرقة الاحباش او المصوعة كما يعرفون ويظهر الكثير منهم فى صور تلك الفترة يرتدون ازياء عسكرية مصممة لجنود الفرق الارتيرية ضمن الجيش الايطالى الاستعمارى فى ليبيا ، لقد قدم حجى صورة مختلفة ولطيفة عن ارتيريا غير تلك التى نحملها فى اذهاننا عن ذلك البلد الافريقى البعيد عنا ، وربما ماجعلنى احب الرواية كثيرا هو محاولات الروائى عبر الصفحات ان يجعل من وطنه قصيدة شعرية نستمتع بالتأمل فى جمالها وروعتها .

تمت طباعة الرواية اربع مرات منذ صدورها فى العام 2012 ومن ثمة فوزها بجائزة الشارقة للإبداع العربى فى مجال الرواية ، وقد حققت مبيعات كبيرة عمل اول لروائى شاب ، وساهم الفوز بالجائزة وموضوع الرواية فى تحقيق رواج كبير لها .

مقتطفات استوقفتنى فى الرواية :


ما أصعب أن نحشر أنفسنا داخل امنية وحيدة، فلايعود شيء يمدنا بالحياة إلا حبل قصير ينتهي عندها. 


الوطن ليس وجهة نظر. الوطن لا يعيش في المناطق الرمادية، إما أننا في وطن حر وديمقراطي، أو أننا نعيش في ظلام التخلف والدكتاتورية .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق